خواطر 2016-1
تكرار استحضار المعاني في الذهن يرسخها في العقل الباطن فتؤثر في تفكير الإنسان وسلوكه من حيث لا يدري. لذلك حفلت الأذكار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعانٍ تبرمجنا على إيجابية نحن في أشد الحاجة إليها هذه الأيام من الأذكار التي يسن تكرارها كل صباح ومساء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذبك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال). يختصر هذا الدعاء الكثير مما توصلت إليه علوم النجاح والتنمية الذاتية ف(الهم والحزن) ينجمانعن الشعور ب(العجز) وهو ينجم عن (الكسل)، الكسل الفكري والسلوكي الذي يحجب الإنسان عن معرفة نفسه وبيئته والعثور على صوته الذي يحقق أكبر مساحة تقاطع بين موهبته وحماسه وحاجات بيئته ونداء ضميره هذا الفشل في اكتشاف الإنسان لذاته والعثور على صوته وتحديد غايته سيورثه (الجبن) من اقتحام أي جديد فلا يقتحم المجهول إلا من عرف ذاته وغايته وشده إلى تحقيقها شوق عظيم. وسيورثه (البخل) لأن قعوده عن تطوير نفسه وموارده سيبقي هذه الموارد محدودة فيقل عطاؤه ويزداد حرصه ومع غياب الغاية المحفّزة على اقتحام كل جديد وعدم الرغبة في العطاء بسبب محدودية الموارد التي يجددها العمل والاقتحام، تنكمش الفرص المادية والمعنوية فيقع الإنسان في الفقر و(غلبة الدين وبسبب الضعف الذي يسببه كل ما سبق يتجرؤ عليه الآخرون وينزل به (قهر الرجال اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال
1. كلما كبرت ضريبة الدم خرج من يقول لنا: ألم أقل لكم؟ وكأن الثورة من صنع بضعة أشخاص لو سمعوا ما (قيل لهم) لما كانت 2. على سيرة (ألم أقل لكم)، قالها تعالى في محكم تنزيله (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) وقال الكثيرون قبل اندلاع الثورة إن الخنوع للظالمين قد يجلب سلامة مؤقتة لكنه يؤسس لخراب كبير وإن العدل أساس الملك وإن الظلم مرتعه وخيم 3. بعض من يتحدثون باسم الثورة اليوم لو سمع الشباب توجيهاتهم لما خرجوا بمظاهرة واحدة، وإنما التحقوا بالثورة لما تجاوزهم طلابهم 4. لمن يبكي (الوطن الذي ضيعناه) نقول إن سورية لم تكن وطناً بل كانت مزرعة لآل الأسد عبيدها السوريون. نقول هذا الكلام تجاوزاً فحتى في عهود العبيد كان السيد لا يملك أن يقتل عبده دون مساءلة، من كان يتجرؤ على السؤال عن رجل اعتقل من بيته ولم يعد إلى أهله؟ في الحقيقة لم نكن عبيداً، نحن لم نكن شيئاً على الإطلاق. واليوم نخرج من العدم إلى الوجود. وجاهل بسنن الحياة من يعتقد أن وضعاً كهذا لن ينفجر في يوم من الأيام 5. عند مقارنة الواقع بالماضي قبل الثورة للدلالة على أن الأمور كانت أفضل لا يجدي الحديث عن المخاض الذي لا بد له من آلام مع من لا يتفق معك على معنى (الحياة)، ولن ينتهي الجدل حول ما الذي أوصلنا إلى هنا، هل هو (السكوت على الظلم) أم (الخروج على الظالمين)؟ لم أعد أراه جدلاً مفيداً فالتاريخ يُكتب اليوم والزمن يدور دورته اليوم واللحاق بصيرورة التغيير ومقتضياتها الفكرية والعملية أجدى من جدال فقهي سيستمر إلى قيام الساعة 6. نعم ندفع ثمناً باهظاً لأنه كُتب على جيلنا أن يدفع مرة واحدة فواتير قرون من الجمود الفكري والركون إلى الظالمين 7. ما يحدث في سورية جزء من تغيير يشمل المنطقة كلها، وهو في جوهره شعوب لم تعد تحتمل حكم الفرد فتمردت على جلاديها، ونحن في مرحلة محاولة إعادتنا إلى القمقم، هذه المحاولة تأخذ أشكالاً شتى بحسب ظروف كل بلد، وقدرنا في الشام أن تكون في أشد أشكالها عنفاً ودموية، قدرنا في الشام أن يأتي الأصيل بنفسه ليحطم إرادتنا بعد أن عجز الوكيل، لأن كسر إرادة الأمة أو انتصارها يبدأ من الشام
كلما ازدادت خبرة الانسان في الحياة واتسعت تجربته وتنوعت معاناته ازدادت قدرته على فهم ما يقرأ. الكتاب الذي قرأته قبل عشرة أعوام تقرؤه اليوم بعينين مختلفتين وتفهم منه أموراً لم تفهمها من قبل يساعد ذلك الإنسان على إدراك أفضل لذاته ومعرفة ما الذي تغير فيه وكيف تغير، أي أن الكتاب الذي نقرؤه يقرؤنا في الوقت ذاته
لا تنتقد المجاهدين إذا لم تكن مجاهداً! مقولة لا تستقيم شرعاً ولا عقلاً نعم لا يجوز لإنسان بعيد عن الساحة أن يتدخل في تقييم ظروف لا يعرفها سواء كان مجاهداً أو غير مجاهد، العلة هنا الجهل بالموضوع الذي يتم تقييمه وليست عدم الانخراط في الجهاد ولا يجوز لإنسان أن يخوّن الآخرين ويتهمهم في نياتهم من غير دليل سواء كان هذا الإنسان مجاهداً أو غير مجاهد، العلة هنا عدم جواز الحكم بغير دليل وليست عدم الانخراط في الجهاد أما انتقاد الأخطاء وما يصل منها إلى مستوى الجرائم فوالله ما قامت هذه الثورة إلا ضد من كان يكم أفواهنا لست أنتم وحدكم من تقاتلون وتضحون والبلاء الحسن على الجبهات لا يبيح سفك دم المسلمين وإلا لأصبحت كل الدماء حلالا مقدار الشجاعة والتضحية لا يعطي أحداً حق ظلم الآخرين وإلا فهي الجاهلية الجهلاء التي لن ينجو من ظلامتها أحد إذا كان حجم التضحيات يعطي الحق لأحد لكي يقول كلمته ويعلي صوته فالملايين ضحوا رجالاً ونساءً وقدموا من أنفسهم وأموالهم وعانوا ولخمس سنوات خوفاً وجوعاً وعطشاً وألماً سواء كانوا في المناطق المحاصرة أو في مخيمات العذاب أو معتقلين في السجون أو مجاهدين من كل الكتائب، كل هؤلاء ضحوا ولهم الحق في التفكير والتعبير، ولن يفلح من يتوهم أن باستطاعته أن يتجاوز إرادتهم ويفرض مشروعه عليهم بقوة السلاح (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) فأيها المجاهدون لا تبطلوا جهادكم بما هو أعظم عند الله من المن والأذى
الظروف الخارجية بالغة السوء تهز مشاعر الناس وأفكارهم وتعيد تشكيلها من جديد. من يؤمن أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض لا تقلقه هذه المرحلة بل يجدها ممراً ضرورياً لحال أفضل من الحال الذي أنتج ما نحن فيه. ستخرج المرحلة إلحاداً وتأليهاً للعقل ونسبية عبثية تجعل كل شيء قابلاً للتغيير وترى الحقيقة مجرد وهم لا يمكن الوصول إليه، وستخرج أيضاً جموداً في فهم النصوص وقسراً للناس على نماذج تاريخية لتطبيق الدين لاتفهم السياقات والمقاصد. ستخرج المرحلة ذوباناً حضارياً يجعل الآخر هو المعيار الذي نرتقي بمقدار ما نقترب منه وستخرج أيضاً انحباساً في الماضي للتعويض عن العجز في فهم الحاضر والتفاعل معه. ستخرج المرحلة ركوباً للدين لغايات سياسية وستخرج أيضاً إبعاداً للدين عن الحياة بحجة عدم زجه في السياسة. هذه مرحلة يتغير فيها كل شيء، وتنزل الأفكار على محك الواقع لتثبت مدى صلاحيتها، القناعات الجديدة تتشكل على وقع الألم الشديد ليكون التغيير راسخاً بإذن الله. لا يهولنكم المشهد ولا تستعجلوا نتائجه ما ينفع الناس سيمكث في الأرض
كان بالإمكان أن ينزل الوحي على نبي الهدى صلى الله عليه وسلم من غير مقدمات، ولما كانت أحداث السيرة النبوية كتاباً مفتوحاً للتعلم والاعتبار، فإن النظر في الحكمة من تلك الخلوات الطويلة في غار حراء يخبرنا أن حاملي الرسالات لا بد أن يصعدوا إلى أعلى ليحرروا أنفسهم من ثقل الاعتياد قبل أن يحرروا غيرهم، إلى أعلى حيث الصمت يحرر الأذن من ألفة الأصوات وحيث الظلمة تحرر العين من ألفة المشاهد وحيث الوحدة تضع النفس في مواجهة النفس من غير تشويش وحيث الوصول يتطلب مشقة الجوارح فتتحرر الروح من قيود الراحة وتصبح جاهزة لتلقي الجديد وخوض غمار التغيير. ما أحوج كل من يرى في الدين رسالة تحرر وتغيير أن يخوض تجربة الغار من حين إلى حين ذهنياً على الأقل لا ليتلقى الوحي من جديد وإنما ليستقبل كلمة الوحي بروح جديد
تلمح الدول الكبرى أو تصرح برغبة ما، تتوقف عقول بعضنا تلقائياً عن أي مبادرة أو جهد يناقض هذه الرغبة باعتبارها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ثم نتحول إلى أدوات لتسويق الخط الأحمر وتثبيته في عقول الآخرين حتى تعم حالة العجز والاستسلام، وهكذا نساهم في وضع الخطوط الحمراء وتثبيتها متوهمين أنها من صنع الآخرين
أن يتمنى الناس العودة إلى حكم طاغية لشدة الفوضى التي سببها غيابه ليست حسنة لهذا الطاغية بل هي دليل آخر على التشويه الذي أحدثه في المجتمعات إلى درجة انهيارها عند غياب قبضته الحديدية التي كانت تسحق كرامات البشر تمني العودة إلى حكم الطاغية بسبب ما أحدثه غيابه من فوضى هودليل آخر على التشويه الذي أحدثه في نفوس الناس إلى درجة أنهم أصبحوا لا يرون أنفسهم أهلاً إلا لأحد الخيارين الفوضى أو الاستبداد، التشويه الذي يجعل الناس من غير رؤية ولا إرادة ولاصبر ولا إيمان ولا ثقة بالنفس ولا تقدير للذات يدفعهم للتفكير بوجود خيار ثالث وتحمل تبعاته وكلفة الوصول إليه