المجتمع المدني: ضمان التنمية والاستقرار
قبل الثورة، كان المجتمع السوري كالعملاق المكبل بالقيود، فلا حرية إعلامية، اللهم إلا مجلات الطبخ والرياضة والفن والسيارات، ولا حرية في تشكيل الجمعيات والمنظمات التي ترفع وعي الناس بحقوقهم وتنظمهم وتحشدهم للمطالبة بها وتراقب وتحاسب الفاسدين والمفسدين، اللهم إلا الجمعيات الخيرية وتلك الجمعيات التي لا تقترب في طروحاتها ونشاطاتها من الخطوط الحمراء التي تمس مصالح أهل النظام على المدى القريب أو البعيد. ثم انقدحت شرارة الثورة، فأطلقت طاقات ألوف من الشباب والشابات كانت حبيسة قوانين النظام وقيوده، وتشكلت مئات التنسيقيات والهيئات الثورية والإعلامية والإغاثية والطبية على امتداد المدن والبلدات والقرى السورية، واكتشف الناس حجم القوة التي يملكونها والقدرة على الفعل والتأثير، عندما يكسرون قيودهم ويمارسون حريتهم ويطالبون بحقوقهم وينظمون بأنفسهم شؤون حياتهم بعيداً عن مؤسسات الدولة، هذه الهيئات الثورية المدنية ستكون بإذن الله بذرة لمنظمات المجتمع المدني التي ستطلق طاقات المجتمع السوري وستعمل على حماية منجزات الثورة وتساهم في تحقيق أهدافها في بناء مجتمع العدالة والكرامة وسيادة القانون
يعرّف المجتمع المدني وفق موسوعة ويكيبيديا بأنه كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. و تشمل هذه الأنشطة المتنوعة تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة. ويضم المجتمع المدني مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية
إن المجتمع المدني يحقق التوازن بين سلطة الدولة وسلطة الناس أو سلطة المجتمع، لذلك تعمد الأنظمة الشمولية على إلغاء كل مظاهر المجتمع المدني لتكون لها السلطة المطلقة فلا تجد من ينافسها أو يراقبها أو يحاسبها، فعندما استلم النظام الحكم في سوريا ألغى كل النقابات والجمعيات وحوّلها إلى منظمات تابعة له كالاتحاد النسائي واتحاد العمال واتحاد الطلبة واتحاد شبيبة الثورة، لتكون في خدمته بدلاً من أن تكون في خدمة المجتمع. وقد رأينا بعد انهيار الشيوعية في الدول الشيوعية كيف نمت التجمعات والأندية الخاصة وجماعات الضغط والنقابات العمالية المستقلة أي كيف عاد المجتمع المدني إلى الحياة مرة أخرى
تنمي منظمات المجتمع المدني مفاهيم التطوع والاختيار والحرية الشخصية والمسئولية الفردية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه المرء ويريد العطاء له بما لديه من إمكانيات معرفية أو مادية، وهي تطلق الطاقات الكامنة في المجتمع وتتيح المجال للأفراد ليشكلوا مصائرهم الخاصة ويساعدوا الآخرين . إن الدمار الهائل على الصعيدين المادي والمعنوي الذي أحدثته عقود الاستبداد في بلادنا والذي توّج بالقمع الشديد والتدمير الممنهج وسياسة الأرض المحروقة التي يتبعها النظام للقضاء على الثورة، توجب أن تتحول البلاد بعد اقتلاع النظام إلى ورشة بناء ضخمة تعيد بناء البشر والحجر وترسي مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة والسلم الأهلي التي قامت هذه الثورة من أجلها وهذا العمل الجبار لا تستطيع مؤسسات الدولة لوحدها القيام به بل لا بد من رفدها بمنظمات مجتمع مدني فعالة تساعد الحكومات القادمة على بناء سورية المستقبل التي نحلم بها جميعاً وتمنع عودة الاستبداد تحت أي مسمى كان، وتمنع التدخلات الخارجية التي لا تصب في مصلحتنا الوطنية، كل ذلك يحتاج إلى منظمات مجتمع مدني قوية تلبي حاجات الناس المادية والمعنوية وتملك القدرة على الوصول إلى أوسع شريحة من المواطنين وتعريفهم بحقوقهم ومصالحهم وتنظيمهم وتحشيدهم للدفاع عنها
11/10/2012