حقن للدماء أم عودة إلى الوراء!؟
من الإنصاف القول إن الكثيرين من حملة العلم الشرعي انخرطوا في الثورة وساهموا في إذكائها لكن هؤلاء كانوا من الشباب من الصف الثاني أما الصف الأول فكان موقفه الأولي متسقاً مع الفتوى الشائعة منذ قرون الإسلام الأولى بوجوب الخضوع للمتغلب. تلك الفتوى التي تحولت من حالة اضطرارية استثنائية في سياق تاريخي معين إلى ثقافة تجعل السكوت على الظلم عبادة وتطلق يد الحاكم ليفعل في الأمة ما يشاء دون أي محاسبة، ومع أن المقصود بالفتوى كان منع الخروج المسلح إلى أنها تحولت إلى مبرر لمنع أي اعتراض على الحاكم ولو كان الاعتراض باللسان ولو كان مطالبة للحاكم بأداء حق معين وليس مطالبة بخلعه، ناهيك عن أن الفتوى تتحدث عن متغلب يحكم الأمة بالشريعة – رغم التجاوزات- وليس عن مغتصب يفرض عليها ما يخالف شريعتها
اليوم وبعد ما جرى في البلاد من دم وبعد ما كشفته الثورة من ضعف في النفوس يعود بعض من سايروا الشباب ابتداءً إلى خطابهم القديم قائلين: ألم نقل لكم؟ نقول لهؤلاء: الثورة كشفت ضعف النفوس ولم تصنعه بل وضعتنا في ظروف تجعلنا أكثر تحفزاً وإصراراً على إصلاحه
خطاب: ألم نقل لكم؟ لا يفرق بين ألم الولادة وآلام الاحتضار وينم عن ضعف ثقة بإمكانيات الأمة وعن خوف من المستقبل في أجواء الحرية وعن كفر بالقدرة على أن نأخذ أمورنا بأيدينا وعن اعتقاد بحاجتنا الأزلية إلى وصاية الظالمين. أصحاب هذا الخطاب يحمّلون شباب الثورة لا عصابة الأسد وزر الدماء، ويتمنون – من بين السطور وليس صراحة - لو أن هذه العصابة نجحت في إخماد الثورة منذ أيامها الأولى ليتابعوا طريقتهم في (الإصلاح التدريجي) التي ما كانت لتتجاوز السقف الذي وضعته عصابة الأسد والذي قزّم الشباب وحول الإسلام من قوة تحرُّر إلى وسيلة تطبيع مع الظالمين ولولا أن هامات الشباب ما عادت تطيق الانحناء لذلك السقف لكانت أكبر انتصارتنا اليوم انتزاع السماح من مساعد في الأمن لحلقة تحفّظ القرآن في زاوية مسجد