cover

في ثورة السوريين ووعيهم

1463016130

عندما نتحدث عن (وعي الشعب) علينا أن نحرر نقطتين

بناء على ما سبق فإن الثورة السورية جاءت نتيجة لارتفاع وعي السوريين بأهمية الحرية والكرامة، وهذا الارتفاع جاء نتيجة تراكم عقود من الإحساس بالقهر وانعدام القيمة. إحساس تضاعف في السنوات الأخيرة بعد ثورة الاتصالات واطلاع السوريين على ما يجري حولهم في العالم وإدراكهم للفرص الهائلة التي يفوتها عليهم النظام بظلمه وتسلطه. نعم لم ترتفع أنواع الوعي الأخرى عند السوريين كما ارتفع وعيهم بأهمية الحرية والكرامة  لكن هذا الوعي هو أهم أنواع الوعي على الإطلاق بل لا قيمة لأنواع الوعي الأخرى إذا انعدم وعي الناس بضرورة العيش الحر الكريم وهذا الوعي هو شرط أساسي لتطور أنواع الوعي الأخرى، لذلك يسمح الطغاة بكل أنواع التعليم إلا تعليم الناس المطالبة بحريتهم والدفاع عن حقوقهم. هذا الوعي هو جوهر الإسلام الذي أدركه الصحابي بفطرته  حين قال: جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. إن ثورتنا يحاربها كل طغاة الأرض لأنهم يدركون أن كمون الحرية فيها يهدد سلطتهم حيثما وجدوا

لو كان وعي السوريين مرتفعاً بما يكفي  لتجنب الإشكالات التي ظهرت في الثورة لما احتاجوا إلى ثورة أصلاً وما لاحظناه في الثورة من انخفاض في الوعي وضمور في القدرات هو نتيجة طبيعية لتعطيل القدرات وتجهيل الناس وحرمانهم من أي فرصة لممارسة حقوقهم في التعبير السياسي والعمل الجماعي والتنظيم طوال ستين عاماً، فمثلاً عندما نظم شباب داريا  أنفسهم عام 2003 لتنظيف شوارع مدينتهم تم رميهم في السجون

أما لماذا ظهرت كل هذه السلبيات في السنوات الأولى للثورة فلأن الكثيرين ممن استلموا دفة القيادة في المجالين السياسي والعسكري لم يكونوا مؤهلين لذلك. لم نكن في وضع مستقر يوجد فيه شواغر وظيفية تتيح اختيار الأكفأ والأكثر إخلاصاً، كانت مرحلة  لعبت الجرأة فيها دوراً أكثر من الخبرة، وأتاحت التسلق لكل محب ظهور. هذا أمر طبيعي في السنوات الأولى أما في السنوات القادمة  فستُنقّي  الساحاتُ رجالَها  على كل الصعد، إذ سيكثر الداخلون إلى هذه الساحات نتيجة إعداد لا اندفاع ويكثر الخارجون منها نتيجة  قصر نَفَس أو نظر، وفي تقديري لن نستطيع الحكم على تأثير الثورة في وعي الناس  قبل خمسة عشرة عاماً على الأقل من انطلاقتها. وهنا أقول لمن يحملون نظرية  الاكتفاء بالتربية ورفع الوعي ضمن الهوامش التي يتيحها الطغاة: لقد جربتم نظريتكم هذه طوال ستين عاماً وكانت النتيجة – باعترافكم– شعب متخلف لا يستحق الحرية، امنحوا أهل الثورة ربع هذه المدة على الأقل قبل أن تحكموا على أثر الهوامش التي تتيحها الثورات في التربية ورفع الوعي.

أحياناً لا تتحول المعرفة إلى وعي يؤثر في السلوك إلا من خلال المحن لذلك قدر الله على الصحابة  الذين يعرفون ضرورة الالتزام بأوامر الله ورسوله محنة أحد حتى تتحول معرفتهم إلى وعي يؤثر في سلوكهم ويؤهلهم لحمل رسالة الوحي إلى العالم بأسره. ولذلك لم يحمِ عصرُ التنوير  وفلاسفتُه وما فيه من دعوة إلى العقلانية الأوربيين من دخول حربين عالميتين دفعوا خلالها عشرات الملايين من القتلى حتى اكتسبوا الوعي بضرورة حل الخلافات بالحوار لا السلاح.  إن المحنة التي يمر بها السوريون اليوم تغرس في أعماقهم – ولو عبر مخاض أليم - بذور الوعي بقضايا أساسية لنجاح أي تجربة حضارية بدءاً من أهمية العمل الجماعي إلى حل الخلافات إلى رفض التسلط والإقصاء ولو كان باسم الدين

كلمة أخيرة لمن يقول: انتهت الثورة والشعب أثبت أنه لا يملك من الوعي ما يكفي ليستحق الحرية فلنعد إلى مناطق النظام لنرفع الوعي من هناك، أقول لهم: عودوا، سيرحب النظام بعودتكم وسيتيح لكم رفع الوعي ولكن إلى السقف الذي لا يتجاوز أسفل بوطه العسكري، السقف الذي لا يهدد سلطته، السقف الذي جعلناه تحت أقدامنا منذ أول صرخة (حرية) جلجلت في سماء دمشق

Share