الثورة والثمانينات وفخ التشبيه
عدم إدراك المتشابهات في أحداث تبدو مختلفة يحرمنا استفادة الحاضر من دروس الماضي، بالمقابل عدم إدراك الاختلافات في أحداث تبدو متشابهة يحرمنا فهم الحاضر وبالتالي التعامل الصحيح معه
تشبيه الثورة السورية بأحداث الثمانينات مغالطة كبيرة لاختلاف السياقات الداخلية والخارجية وهذه أهم الاختلافات
انكشاف كذبة الاشتراكية والعدالة الاجتماعية
قامت أحداث الثمانينات بعد عشر سنوات تقريباً من تسلم حافظ للسلطة، في ذلك الوقت كانت فئات كبيرة من السوريين ما تزال مخدوعة بوعود الاشتراكية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وشكلت تلك الفئات أحد الدعامات التي اعتمد عليها الأسد الأب
في عام 2011 عشية اندلاع الثورة السورية كانت أربعون عاماً قد انقضت على حكم عائلة الأسد منها عشرة أعوام تحت حكم بشار، اتضح خلالها كذبة الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وانتهى المجتمع السوري إلى تفاوت طبقي عميق، زادته القوانين (الإصلاحية) الاقتصادية في عهد بشار، التي لم يرافقها إصلاح سياسي وإجراءات لمحاربة الفساد، فاستغلتها الدائرة المحيطة بالأسد ومن حولها من المنتفعين لمضاعفة ثرواتهم على حساب الأكثرية، وهكذا فإن قسماً كبيراً من الفئات التي اعتمد حافظ على دعمها في الثمانينات هي التي ثارت على ابنه عام 2011
انكشاف كذبة المقاومة والممانعة
في الثمانينات كانت موضة المقاومة والممانعة في أوجها، وكان قسم كبير من السوريين مستعداً للتضحية بحقوقه مقابل ما يعتقده وقوف في وجه اسرائيل. في عام 2011 عشية اندلاع الثورة السورية كانت أربعون عاماً قد انقضت على هدوء جبهة الجولان وأصبح واضحاً كيف استخدم نظام الأسد القضية الفلسطينية طوال هذه المدة للمتاجرة والمزاودة وتثبيت دعائم حكمه على حساب دمار الشعبين اللبناني والفلسطيني
انكشاف المشروع الإيراني الطائفي ودور النظام في تمريره داخل سوريا
في الثمانينات كانت الثورة الإيرانية حديثة العهد وكانت ملهمة لكثير من السوريين بوصفها ثورة على الظلم وعلى التدخل الغربي في المنطقة، وظل حزب الله إلى فترة قريبة من اندلاع الثورة نموذجاً في المقاومة ينال إعجاب شريحة واسعة من السوريين، إلى أن جاءت الثورة وتدخلت إيران وميليشياتها الطائفية وحزب الله بقوة لإنقاذ النظام وشاركوا في قتل السوريين وتدمير حواضرهم وتهجيرهم كل ذلك كشف المشروع الإيراني الطائفي وتواطؤ نظام الأسد معه وخلق حالة شعبية رافضة لحكم الأسد لم تكن موجودة في الثمانينات
لم تكن هناك ثورة شعبية واسعة في الثمانينات
صحيح أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تحظى بتعاطف شريحة مهمة من السوريين، لكن المواجهة في الثمانينات حدثت بين النظام والجماعة بشكل أساسي. في عام 2011 اندلعت المواجهة بين المجتمع السوري والنظام، كانت حركة احتجاجات واسعة ذات طابع شعبي مجتمعي لم توجهه أي جماعة أو حركة سياسية من فوق إلى تحت، حركة من هذا النوع وبهذا الشمول لا يمكن القضاء عليها كما قضى النظام على تمرد الإخوان المسلح في الثمانينات
في الثمانينات هدد حافظ بإحراق سوريا، أما بشار فقد أحرقها فعلاً
إن دمار البشر والحجر الذي أنزله بشار بالسوريين أكبر من أن يستطيع نظامه إصلاحه، هو يملك القدرة على إطالة الحرب لكنه بعد انتهاء الحرب لا يملك القدرة على البناء وأن تدين له البلاد كما دانت لأبيه
في الثمانينات كانت سوريا كلها تحت سيطرة الأسد
أما اليوم فأكثر من 40% من البلاد خارج سيطرة بشار، والمنطقة التي تحت سيطرته معظم القرار فيها للروس والإيرانيين
جيل جديد مطلع على العالم
أدت الثورة في وسائل الاتصال إلى نمو المعرفة واطلاع الجيل الجديد على التطور الذي وصلت إليه الدول الأخرى وعلى الفرص الهائلة التي يحرمهم منها نظام الأسد، كل ذلك هيأ مناخاً للثورة والرفض الشعبي لم يكن موجوداً في الثمانينات
في الثمانينات لم يكن هناك ربيع عربي
جاءت الثورة السورية في سياق تغير تاريخي تمر به المنطقة العربية بأسرها، بدأ هذا التغير بالثورة التونسية وانتقل بعدها إلى البلاد العربية، صحيح أن هذا التغير لم يحقق بعد ما تأمله الشعوب العربية من حرية وكرامة وعدالة لكن عجلة التغيير انطلقت وكل ما يحدث في المنطقة العربية من ثورات وثورات مضادة وما جرّته هذه الثورات وما ستجرّه من أحداث وتغيير في الأنظمة السياسية - بل حتى في الخرائط - يدل على أن التغيير مستمر وأن عودة الأمور إلى ما كانت عليه لم تعد ممكنة
نعم، يجب أن نستفيد من هزائم الماضي، لكن عدم ادراك الاختلافات بين الماضي والحاضر يحرم عقلنا الواعي من رؤية الفرص التي يحملها الحاضر والاستفادة منها، ويبرمج عقلنا الباطن على التصرف كمهزومين