المعارضة السورية والأداء المفقود
من أقوى أسلحة الثورة في وجه النظام اليوم هو الملف الحقوقي الإنساني إذ مهما حاول العالم الالتفاف على الثورة لا يستطيع أن يتجاوز هذا الملف بشرط أن يتم تحريكه بشكل مهني ليس كملف حقوقي وحسب وإنما كأداة سياسية فعالة في الصراع مع النظام وحلفائه العلنيين والسريين
ليس الهدف من تحريك هذا الملف استدرار عطف الدول فهذه لا تحركها إلا مصالحها، ولا إحراج النظام فمن قتل مليون سوري في وضح النهار لا يحرجه شيء. الهدف هو أن نفوت على النظام وحلفائه فرصة تغييب جوهر القضية السورية وهي أنها ثورة شعب ينشد حريته ضد نظام من أكثر الأنظمة وحشية وإجراماً، وللأسف نجح النظام اليوم بمساعدة المعارضة في تغييب هذا الجوهر حتى أصبح الحديث عن إعادة تأهيله أمراً وارداً
عندما أناقش بعض أفراد المعارضة في هذا الأمر يكون الرد دائماً: الكلام من خارج المعمعمة سهل، وما هو البديل، ورأينا إلى أين أوصلتنا السلبية ورفض العملية السياسية سابقاً، ويجب ألا نترك الكرسي فارغاً وإلا سيأتون بآخرين وهكذا
يا جماعة، لا تتركوا الكرسي فارغاً ولكن املأوه بحقه
ولا تخرجوا من العملية السياسية ولكن خوضوها باستقلالية وشرف
ما الذي يمنع المعارض الذي يتصدر المشهد السياسي أن يكون الموضوع الأساسي الذي يتحدث به مع المسؤولين الدوليين هو موضوع المعتقلين وأن يجعله المعيار الأول لقياس جدية النظام في المضي في العملية السياسية وجدية الدول التي تزعم أنها تريد مساعدة السوريين على إيجاد حل!؟
قضية المعتقلين في سورية ليس قضية إطلاق سراحهم من السجون، وإنما إنقاذهم من الموت فكل عدة أيام يأتي إلينا خبر شهيد تحت التعذيب ليس ممن اعتقلوا سابقاً وحسب وإنما ممن يعتقلون حديثاً، ويعلم كل من دخل سجون النظام أن ظروف السجن لوحدها من برد وجوع وانعدام رعاية صحية هي إعدام بطيء للمعتقل
ما الذي يمنع المعارض الذي يتصدر المشهد السياسي أن يكون برنامجه اليومي مليئاً باللقاءات الشعبية والندوات والمعارض التي تحشد خلف مطلب إطلاق سراح المعتقلين وأن يكون ذلك في كل دولة يوجد فيها سوريون يرفضون العبودية لنظام الأسد؟
ما الذي يمنع المعارض الذي يتصدر المشهد السياسي أن يكون برنامجه اليومي مليئاً بلقاءات بأمهات المعتقلين يتسلم منهن عشرات العرائض التي تطالب بإطلاق سراح أبنائهن وأن يحمل هذه العرائض معه في حقيبة يتمسك بها أينما حل وارتحل ويضعها في حضنه عند لقاء أي مسؤول دولي ويقول: أنا مؤتمن من أمهات هؤلاء المعتقلين على الدفاع عنهم ولا حل سياسي ولا بيئة آمنة ومحايدة ما لم يتم الإفراج عنهم؟
ما الذي يمنع المعارض الذي يتصدر المشهد السياسي أن يكون برنامجه اليومي مليئاً بلقاءات إعلامية تنصب على ملف المعتقلين وعلى الوعود التي يتلقاها – أو لا يتلقاها – بهذا الشأن فيفضح كذب المجتمع الدولي ونفاقه ويحرك وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية في الدول التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان لتضغط على صانعي القرار في تلك الدول؟
أشعر بالغيظ والأسف عندما أسمع عن الوقت والجهد الذي تضيعه المعارضة في نقاش اللجنة الدستورية، أو عندما أرى معارضاً على الإعلام تنتفخ أوداجه وتلمع عيناه وهو يتحدث عن هذه اللجنة وكأنها أم المعارك في حين أن القضية الأساسية ليست هنا وإنما في مكان آخر وهو يخدم النظام - عرف أم لم يعرف - بتحويل الانتباه عن جوهر القضية وعن جوهر الحل أيضاً
منذ شهور أعلن النظام وبكل صفاقة عن موت آلاف المعتقلين بالسكتة القلبية! صدر بيان هنا وبيان هناك ولكن أين هي المعارضة التي تلتقط هذه الفرصة لتملأ الدنيا ضجيجاً وتكركب المجتمع الدولي بآهات من تدعي الدفاع عنهم!؟
نحن في ثورة حق يا جماعة، من يمثلها سياسياً يجب أن يكون على طولها عزة وكرامة ووضوحاً وصدقاً ومشاكسة لمحاولات الكذب والتدليس
نحن في ثورة حق روتها دماء الملايين ولسنا في مدرسة يتنافس فيها الطلاب على الالتزام بنصائح السفراء والمبعوثين