ماذا لو دُعينا إلى انتخابات يشارك فيها بشار الأسد؟
كتب الصديق العزيز معتز مراد مقالاً بعنوان (كيف يواجه السوريون تحدي انتخابات الرئاسة بعد سنتين أو ثلاثة؟) وذكر في المقال احتمال أن يفرض المجتمع الدولي على السوريين انتخابات يرشح فيها بشار نفسه وأن هذا قد يكون الاحتمال الأكبر في ظل دعم الروس لبشار وعلينا الاستعداد للتعامل معه. وحذر من التسرع في رفض أو قبول أي احتمال وإنما دراسة الخيارات المتاحة بدقة وتجميع السوريين حول الخيار الأفضل لتفويت الفرصة على من يريد إعادة الشرعية لبشار.
بداية أشكر الصديق معتز على جر هذا الموضوع إلى ساحة النقاش، فنقاشه هو خطوة لا بد منها لبناء إجماع حول الموقف المطلوب من المشاركة في انتخابات يرشح فيها بشار نفسه.
المؤيدون للمشاركة في هكذا انتخابات يسوقون الحجة التالية:
" كل المؤشرات تدل على أن القوى الكبرى المؤثرة في الملف السوري ذاهبة في اتجاه انتخابات لا تستبعد بشار وعلينا كمعارضة عدم إضاعة الوقت وإعداد (مرشحنا) الذي سينافس بشار وبما أن الانتخابات ستكون تحت إشراف الأمم المتحدة مما يضمن عدم تلاعب النظام بها وبما أن المهجرين والنازحين والمتضررين من بطش النظام سيشاركون في الانتخابات وهم أكثرية السوريين، فلدينا فرصة للاطاحة ببشار عن طريق الانتخابات"
هذا الطرح يمنح بشار على الفور الهديتين التاليتين:
أولاً: نقل تركيز المعارضة من البحث عن حل سياسي حقيقي قائم على معالجة جذر المشكلة السورية إلى البحث عن مرشح ينافس بشار وكأننا أمام حملة انتخابية في بلد ديمقراطي ولسنا في خضم صراع دموي بين شعب ينشد حريته وسلطة ترتكب كل يوم ومنذ تسعة أعوام كل الجرائم والمحرمات في قمع هذا الشعب.
ثانياً: في كل الدول توجد (الهيئة العليا للانتخابات) وهي جهة مستقلة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية والتأكد من صحتها بدءاً من التأكد من أهلية المرشحين وصولاً إلى النظر في الطعون وإعلان الفائزين. لن تكون هناك مصداقية لهيئة عليا للانتخابات تعتبر متهماً بجرائم حرب مثل بشار مرشحاً مؤهلاً لخوض الانتخابات وبالتالي لن تكون هناك مصداقية لأي عملية انتخابية تشرف عليها هذه الهيئة. إلا إذا وافقت المعارضة فعندها لن تكون الهيئة العليا للانتخابات ملكية أكثر من الملك وتكون المعارضة بموافقتها هذه أعطت الشرعية السياسية لبشار وبرأته سياسياً من الجرائم التي ارتكبها.
إن مجرد قبول المعارضة لفكرة المشاركة في انتخابات يشارك فيها بشار يمنحه فوراً الهديتين السابقتين حتى قبل المشاركة الفعلية في هذه الانتخابات.
قد يقول البعض لا علاقة بين المشاركة في الانتخابات والملاحقة القضائية لبشار عبر المحاكم الدولية، يمكن هنا الاستئناس بما حصل للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير الذي اتُهم بجرائم حرب وصدر أمر القبض عليه وظل لسنوات رئيساً يتنقل بين العواصم حتى سقط بانقلاب عسكري، علماً بأن بشار لم يُتهم بشكل رسمي ولم يقدم للمحاكمة بعد!
الخيارات المطروحة أمام السوريين ليست قدراً لازماً مفروضاً عليهم من جهة واحدة بل هي خيارات تفاعلية ناجمة عن تفاعل مواقف المعارضة مع الطروحات الدولية فإن لمست الدول الفاعلة في القضية السورية من المعارضة موقفاً موحداً وثابتاً وصلباً في رفض المشاركة في انتخابات يشارك فيها الأسد ستبحث عن حلول تستبعد هذا الخيار والعكس صحيح.
إن مقاطعة المعارضة لانتخابات يشارك فيها بشار لا يعني خروجها من العملية السياسية وإنما تموضعها ضمن هذه العملية في المكان الصحيح الرافض لحل وهمي وهذا سيدفع الأطراف الفاعلة في اتجاه حل حقيقي. وللذهاب مع الكذاب إلى خلف الباب كما يقولون تستطيع المعارضة إن فاز بشار في انتخابات لم تشارك فيها أن تطالب بالعودة إلى سورية وممارسة نشاطها في الداخل طالما الانتخابات هي جزءٌ من تغيير حقيقي، ألا يحق للمعارضة في كل دول العالم أن تقاطع الانتخابات ولا تعترف بنتائجها؟! فإن سُمح لها بالعودة وحرية العمل السياسي – وهذا شبه مستحيل - ستقوض النظام من الداخل، وإن لم يُسمح لها تكون قد ساهمت في كشف الزيف بدلاً من أن تكون جزءاً منه.
وأخيراً أثني على ما ذكره الأخ معتز في مقالته عن ضرورة تنظيم السوريين أنفسهم سياسياً لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة وأضيف إلى ما قاله أن الشكل العملي لهذا التنظيم هو بناء مؤسسات سياسية أي أحزاب تعبر عن رؤاهم وتعمل على تحويلها إلى واقع. ولنتوقف عن لوم السوريين لأنهم لم يجتمعوا على رجل واحد، فالقائد الحقيقي هو الذي يتحمل مسؤولية إقناع الناس به، ولا يلومهم إذا لم يعطوه ثقتهم! والثقة تأتي عندما يتزعم هذا القائد كياناً سياسياً فيه من الكوادر والكفاءات ما يجعله قادراً على إحداث التغيير الحقيقي، أما مجرد وصول رجلٍ طيبٍ يحبه الناس إلى سدة الرئاسة، إذا كان بمفرده لا كيان سياسي خلفه، فلن يكون إلا واجهة لاستمرار النظام القديم مهما حسنت النيات وصفت القلوب!