لماذا هي (قضيتي)
لماذا أعتبر قضية الشعب السوري وثورته وحريته وكرامته قضيتي التي لا أجد معنى لحياتي دون العمل لها؟
الذي يجعل من مسألة ما قضية بالنسبة لإنسان شعوره بقيمة هذه المسألة، أنا كسوري ينتمي إلى الشعب السوري أشعر بقيمة هذا الانتماء وشعوري يتعزز يوماً بعد يوم.
هذا الشعب برغم ما يقال عنه أراه شعباً جباراً بكل معنى الكلمة وكل ما يعاني منه ليست مشاكل بنيوية موجودة في شريطه الوراثي وإنما هي بسبب ظروف قاهرة طرأت عليه بسبب ستين سنة من الإذلال الممنهج مارسته طغمة الأسد وأي شعب تعرض لمثل هذا الإذلال ستصيبه التشوهات التي أصابت السوريين.
ومع ذلك وبعد ستين سنة من الإذلال الممنهج خرج السوريون بثورة! هذا بحد ذاته يجعلني أفخر كسوري بالانتماء إلى هذا الشعب ويجعل قضيته قضيتي التي لا يمكن أن أتخلى عنها.
الشعب السوري يملك إمكانيات هائلة ويحمل حيوية هائلة وعشقاً كبيراً للحرية بحيث استطاع بعد ستين سنة من الإذلال الممنهج أن ينهض من جديد ومع كل العنف الذي استخدمه النظام منذ بداية الثورة حتى اليوم لم يستطع أن يهزم إرادة هذا الشعب.
كلنا نعلم أن النظام في لحظة معينة كان على وشك السقوط لو لم يستعن بإيران وحزب الله ومع ذلك لم تستطع إيران وميليشياتها الوقوف في وجه هذه الرغبة الهائلة في التحرر ورفض الاستبداد فأدخل النظام الروس الذين قالوا في بداية تدخلهم العسكري "سنقضي على التمرد خلال أشهر " ومع ذلك لم يستطيعوا.
وعندما هاجم النظام إدلب قبل عام وفتح المجال للعودة إلى مناطقه عاد إلى مناطقه العشرات بينما آثر مئات الألوف أن يذهبوا إلى الشمال وأن يعيشوا في العراء تحت الزيتون والقصف على أن يذهبوا إلى مناطق النظام. ومنذ أن أخرجهم النظام من ديارهم إلى اليوم يعيش ملايين السوريين في ظروف صعبة في الشمال السوري ودول الجوار مع أن الكثيرين منهم يستطيعون العودة إلى مناطق النظام لكنهم لا يفعلون لأنهم يؤثرون الظروف القاسية على العودة إلى الذل في حظيرة الأسد. وهذا كله يدل على أن الشعب ما زال تواقاً إلى الحرية وهو يستحقها. ويستحق ألا نتخلى عنه وألا نكفر به وأن نصبر عليه وعلى نقاط ضعفه ومشاكله، فهذه المشاكل نتيجة ظروف قاهرة مر بها لفترة طويلة وأي مجموعة بشرية تضعها في نفس الظروف سوف تعاني من نفس المشاكل والأمراض.
هناك أمر آخر يجعل المسألة السورية قضية وجودية بالنسبة لي؛ عندما ننظر إلى الخريطة ونرى الشريحة السورية التي دمرت مدنها وقراها والتي هُجرت وقُتلت واعتُقلت نلاحظ أنها الشريحة (المحافظة) التي تشكل أكثرية السوريين وقد قال لافروف في بداية الثورة صراحة "لا نريد أن يحكم السنة سورية" فأنا اليوم مهدد في وجودي كمكون في هذه المنطقة لديه رؤيته ومشروعه الحضاري، نحن أمام عملية اقتلاع وتجريف وتهديد وجودي لإلغاء اللون الحضاري المسلم المعتدل في هذه المنطقة. هناك من يعترض على تسمية الأكثرية وأنا أقول: عندما تلغون عبارة الأقليات من قاموسكم السياسي سنلغي تلقائياً عبارة الأكثرية ولكن طالما يتم استخدام هذا المفهوم فنحن نريد أن نقول إننا كأكثرية نُقتلع ونُجرّف نريد حقنا مثل غيرنا تماماً لا أكثر ولا أقل. عندما تنال الأكثرية حقها فهي التي ستلمّ سورية إلى بعضها البعض بكل مكوناتها وتمكين هذه الأكثرية سياسياً هو ما سيحمي الجميع، سيحميها ويحمي غيرها ويصنع الاستقرار والازدهار في المنطقة.
وعندما ننظر إلى المكان نجد أن سورية على بقعة من الأرض فيها من الغنى والتنوع والموارد وكموقع أيضاً ما ليس له نظير في أي مكان في العالم .فنحن كسوريين بكل مكوناتنا إذا استطعنا أن ننتزع حريتنا وأن ننتزع استقلالنا فوق هذه البقعة من الأرض يمكن أن نشكل نموذجاً حضارياً إنسانياً يجيب على الكثير من الأسئلة التي تبحث الحضارة البشرية عن إجابات لها اليوم .إذا استطعنا أن نوجد مساحة الحرية التي تضمن لنا التعبير عن هذا النموذج وتحويله إلى مشروع حضاري على الأرض فهذا لن يحل مشاكلنا كسوريين فقط وإنما يمكن أن يساهم في حل المشاكل التي تعاني منها البشرية.
يحتاج تحقيق ذلك أن نسترد سورية كاملة (ليست بالصيغة البعثية المركزية التي كانت عليها بل نحن بحاجة إلى صيغة جديدة بالتأكيد) وأن يشارك في هذا المشروع الشعب السوري بكل مكوناته.
السؤال الآن. هل هذا أمر ممكن؟ هل استرداد سورية واسترداد الشعب واسترداد حريته وكرامته أمر ممكن؟
أنا أعتقد أنه ممكن. فروح الله التي نفخها الله في الإنسان قادرة على صنع كل شيء إلا الخلق من عدم فهذا شأن الله وحده. لقد أثبتت الثورة أن إرادة الإنسان السوري قادرة على صنع المستحيل وعندما أنظر إلى سورية أرى أن كل الإمكانيات والاحتمالات موجودة؛ فمن الممكن أن يكون هذا البلد ساحة خراب ودمار واقتتال داخلي واقتتال الدول على أرضه ومن الممكن أيضاً أن يكون ساحة استقرار وتفاهم نبين فيها للعالم كيف استطعنا كسوريين أن نتجاوز ما تركته فينا عقود الاستبداد وأن نطرد التدخل الخارجي من أرضنا وأن نحل مشاكلنا ونصنع نموذجنا الحضاري، هذا كله رهنٌ بنا، وبنا وحدنا نحن السوريون.