الفعل السياسي ووهم عدم الجدوى
مو طالع بإيدنا شي
شو حيصير إذا وقعت على عريضة فيها مطلب سياسي؟
شو حيتغير إذا عملت شير لفيديو قصير يوعّي الناس بالحقائق المتعلقة بقضية سياسية؟
شو الفائدة إذا شاركت بحملة الكترونية فيها هاشتاغ معين؟
شو الفائدة إذا طلعنا مظاهرة عبرنا فيها عن احتجاجنا على قرار سياسي؟
شو الفائدة من المشاركة في اعتصام أمام هذه السفارة أو تلك؟
أسئلة محقة تجعل الكثيرين يعزفون عن المشاركة في أي نشاط سياسي. ليس لأنهم لا يرغبون في خدمة قضيتهم وإنما لقناعتهم بعدم الجدوى.
أريد أن أبدأ بالثورة السورية التي وإن كانت لم تسقط النظام بعد لكنها وضعته على سكة السقوط وقوضت الكثير من الدعائم الداخلية والخارجية التي يقوم عليها وحولته من شجرة راسخة الجذور إلى جذع يابس ينتظر الانهيار وسلبته معظم قراره لصالح مشغليه الروس والإيرانيين الذين وضعوه على أجهزة الانعاش بانتظار التخلي عنه عندما تنضج الظروف الإقليمية والدولية التي تجعل كلفة التخلص منه أقل من كلفة الحفاظ عليه وهي كلفة ترتفع على مشغليه يوماً بعد يوم.
ما الذي أعطى السوريين هذه القوة لوضع بداية النهاية لنظام صُمم ليبقى إلى الأبد وكان مجرد التفكير بإزالته قبل الثورة ضرباً من الحلم الذي يشكك بسلامة عقل من يدعي إمكانيته؟!
إنه الانتقال من قناعة (مو طالع بإيدنا شي) إلى قناعة (الشعب يريد..) ومن قناعة (شو حيصير اذا نزلنا مظاهرة والمظاهرات لا تسقط النظام) إلى قناعة (لولا يقين النظام بأن المظاهرات تكتب نهايته لما قمعها بكل هذه الوحشية).
نحن نعيش في عالم لا يستطيع أن يتجاهل تحرك ملايين الناس بشكل منظم للمطالبة بحقوقهم التي تكفلها لهم القوانين الدولية. ليس لأنه عالم أخلاقي يحترم هذه القوانين بل لأن مصلحة القوى الكبرى في هذا العالم ألا يتحول إلى غابة لا قانون فيها لأن ذلك سينعكس في النهاية فوضى وخراباً لن يستثني هذه القوى ذاتها في نهاية المطاف.
هل يعني ذلك أن القوى الكبرى في العالم ستترك الشعوب تتحرر وتطالب بحقوقها عندما ترى أن ذلك يهدد مصالحها؟ بالطبع لا، ستحاول إعاقة هذا التحرر بما تستطيع من وسائل سياسية وعسكرية، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك من دون اتباع قواعد (اللعبة السياسية) وهي القواعد التي لا تستطيع تجاهل مطالب الشعوب لكنها تستطيع أن تلتف عليها وتعيقها بالخداع والتضليل وتفريق كلمة هذه الشعوب وضرب مكوناتها ببعضها البعض وزرع اليأس والإحباط في نفوس من فكروا بالحرية يوماً حتى يعودوا إلى قفص العبودية صاغرين منكسرين.
كمثال على ذلك، لم يستطع العالم أن يتجاهل مطالب الشعب السوري بالانتقال السياسي وأن يسكت على جرائم بشار وأن يقول له: افعل بشعبك ما تشاء، فكانت القرارات الدولية التي تلزمه بوقف المجزرة والمشاركة في انتقال سياسي ينهي احتكاره السلطة، لكن في الوقت نفسه غطت الدول الكبرى على إعاقة النظام لتنفيذ هذه القرارات وساهمت في إفراغها من محتواها، بمساعدة بعض (المعارضين) للأسف، بحيث يستمر النظام في مقتلته بأقل قدر من الحرج للنظام الدولي بدعوى وجود عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة.
مواجهة اللعبة السياسية القائمة على الخداع والتضليل وتفريق الكلمة وزرع اليأس في نفوس الناس حتى يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم يكون بضد هذه الأمور من كشف الخداع ورفض التضليل وتوحيد الكلمة والاستمرار بالمطالبة بالحقوق وباستخدام قواعد اللعبة السياسية ذاتها.
لو لم يكن للرأي العام أهمية في هذا العالم لما أنفقت القوى الكبرى في العالم وقوى الاستبداد في منطقتنا الأموال على أجهزة الإعلام التي تؤثر في الرأي العام وعلى شركات العلاقات العامة التي تضع الخطط وتنفذها للتأثير في أصحاب القرار على جميع المستويات الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية.
ولكن هل تكفي مظاهرة أواعتصام أو توقيع على عريضة أوحملة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في صانع القرار وتغيير الواقع السياسي؟ عندما تحدث هذه النشاطات لمرة واحدة لا تكفي، وعندما تكون عفوية ارتجالية لا تؤثر. ولكن عندما تكون جزءاً من استراتيجية لها هدف واضح وتنظمها جهات تملك الخبرة والمصداقية ويشارك فيها مئات الألوف، وتتصف بالاستمرار والأثر التراكمي، ستؤثر حتماً ولن يستطيع العالم تجاهلها.
ولكن هل الفعل السياسي هو المظاهرات والاعتصامات وتوقيع العرائض والمشاركة في حملات التحشيد فقط؟ بالطبع لا، هذا أحد أنواع الفعل السياسي ويجب أن يكون جزءاً من خطة أشمل تتضمن دراسة التحديات التي تواجهها العملية السياسية ووضع البدائل والحلول، ووضع الرؤى والبرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والبحث عن التقاطع بين مصلحة الشعب ومصالح الدول الفاعلة في الشأن السوري، والعلاقات مع أصحاب القرار في هذه الدول من أجل إقناعها بالاستفادة من هذا التقاطع، والتفاوض مع القوى السياسية الأخرى من أجل بناء التحالفات التي تقوي الموقف، وادارة التفاوض بين مكونات المجتمع لاحتواء التناقضات التي ينفذ منها من لا يريدون الخير له، وأمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها هنا تندرج تحت الفعل السياسي، ولكن من يضع هذه الخطط ويقوم على تنفيذها؟
خلاصة القول، نحن نواجه قوى منظمة متفرغة تقوم على أهل الاختصاص تريد إعاقة نهضتنا، ولا يمكن أن ننتصر في هذه المواجهة إلا بقوى مثلها في التنظيم والتفرغ والاعتماد على المختصين، يحتاج ذلك إلى أجسام سياسية (أحزاب، تيارات، كتل، تجمعات، سمها ما شئت!) تعمل بشكل مؤسساتي وكلما تأخر ظهور هذه الأجسام وتأخر نضج تجربتها واشتداد عودها، تأخر الوصول إلى حالة الاستقرار والازدهار في بلادنا.