cover

خواطر 2020-1

قبل عقد من الزمن كانت الأمور في منطقتنا تسير على ما يرام بالنسبة لإيران وأمريكا.  بالنسبة لإيران، كان المشروع الإيراني يتغلغل ببطء،  وبالنسبة لأمريكا، كان الطغاة يريدون رضاها حتى ترضى لأنهم يعلمون أن هذا الرضا هو ما يثبت كراسيهم وليست المشروعية المستمدة من رضا شعوبهم. الشعوب الخانعة والحكام المستبدون كانت الوصفة الأمثل لتحقيق مصالح الطرفين إيران وأمريكا.

عندما تحولت الشعوب من قطعان تُسيّر بالعصا إلى جماهير ثائرة تطالب بحقوقها انقلبت الطاولة على إيران وأمريكا، وبدأت مساحة المصالح المشتركة بينهما تضيق إلى أن تحولت إلى تضارب. و لو أن الثورات خمدت في عهد أوباما – وهذا ما كانت سياسة أوباما في المنطقة تهدف إليه – لسهل ذلك على الطرفين تقاسم المنطقة من جديد على أنقاض الثورات المهزومة لكن ذلك لم يحدث بل امتدت الثورات إلى دول أخرى.

مستقبل منطقتنا مرتبط بالجواب على هذا السؤال: هل نريد أن نكون شعوباً حيةً يسيّرها عشق الحياة الحرة الكريمة؟ أم قطعاناً يسيّرها الخوف، سواء كان خوفاً من الطغاة أم خوفاً من ميليشيات كالتي صنعها سليماني أم خوفاً من صاروخ الهيل فاير الذي قتله؟! وحدنا نحن الشعوب من نملك الإجابة على هذا السؤال ووحدنا من نملك تحديد مستقبلنا.


حماسة يعقبها انطفاء تضر أكثر مما تنفع. طوبى لمن عرف قدراته وجعل مسافة بين دماغه ولسانه!


يبرر تنازلاته بأنه إذا لم يفعل سيزيحونه ويأتون بمن هو أسوأ منه لكي يتنازل وكأني به يقول: حاشا وكلا أن يكون هناك من هو أسوأ مني!!


يجب أن ننتبه ونحن نبرر مشاركتنا في عملية سياسية ما على أنها فرصة لإيصال قضيتنا إلى العالم ألا نكون بهذه المشاركة قد تخلينا عن القضية ذاتها وتحولنا عنها إلى قضية أخرى!

مثلاً، أن تتحول قضيتنا من معارضة تطالب العالم أن يساعدها على التخلص من مجرم يدمر البلاد إلى معارضة تطالب العالم أن يساعدها على إقناع هذا المجرم بالجلوس معها لكتابة دستور للبلاد التي يدمرها!


لم يكتب بيتهوفن عن جمال السيمفونية الخامسة لكنه ألفها ولم ينظّر دافنشي عن روعة الموناليزا لكنه رسمها. هناك الكثير من الكتابة والتنظير عن ضرورة أن ينظم السوريون أنفسهم في كيانات توحد كلمتهم وتخرجهم من الفوضى السياسية التي ضيعت قضيتهم. بالمقابل هناك القليل من العمل والصبر والانضباط والتضحية والتواضع والقدرة على قبول الآخر التي يحتاجها تحقيق ذلك. قد تبذل مئات الساعات وأنت تسعى نحو هذه الغاية دون أن تصل إلى شيء لأنك تحث الخطا في أرض مجهولة المعالم وتتلمس الطريق في ظلمات متراكبة ولأن النفوس بعد خيبة تسعة  أعوام أخذها التعب والإحباط والأحداث المتتابعة تزيدها تعباً وإحباطاً. لكن تضحيات السوريين تستحق أكثر من بث الزفرات على صفحات التواصل الاجتماعي خصوصاً ممن هو قادر على أكثر من ذلك.


على الرغم من الدعم الخارجي ما يزال أبناء طائفته هم العمود الفقري لنظام بشار وما تزال (بالروح بالدم نفديك) هي التيمة التي يرددونها في كل مناسبة.  لقد زرع  حافظ في العقل الباطن لطائفته أن مصيرها مرتبط بمصيره وسار بشار على نهجه لذلك ومنذ أول يوم في الثورة لم يغير جهازه السياسي والإعلامي خطابه شعرة واحدة وهو أن الذين ثاروا عليه هم إرهابيون وخونة وأن هدفه النهائي استعادة كل سوريا وأن ما يقوم به  من تحركات سياسية وعسكرية  هي مناورات وخطوات نحو تحقيق  هذا الهدف.  إن أي إشارة إلى احتمال خروج بشار من المشهد يصيب معنويات طائفته في مقتل وبدلاً من أن تستثمر المعارضة الرسمية نقطة الضعف هذه فتردد دون انقطاع أن الحل في سوريا يقتضي رحيل بشار، نراها تساعده على تصليب موقف طائفته حوله بتجنب الحديث عن مصيره موحيةً بأنه قد يبقى بعد كل ما فعل! متى آخر مرة سمعنا فيها أحد أفراد المعارضة الرسمية يقول: "لا حل في سوريا بوجود مجرم الحرب بشار"؟! علماً بأن هذا القول لا يتناقض مع المشاركة فيما يسمى بـِ (العملية السياسية) التي يشارك فيها النظام وهو يصف المعارضة بأقذع العبارات!


الأوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعية جزء من قدر البشرية وقد أتى على الإنسان حين من الدهر تقتل فيه الأوبئة الملايين، فبين عامي 1348 و1349 حصد ما عرف باسم الطاعون الأسود نحو 20 مليون شخص في أوروبا، وفي عام 1918 اجتاح وباء الإنفلونزا الإسبانية العالم، وأودى بحياة ما يتراوح بين 40 و50  مليون شخص. إن التطور الذي شهدته البشرية في العلاج ووسائل التشخيص وإجراءات الطب الوقائي جعل الإصابات والوفيات في وباء كورونا في حدها الأدنى وهو جزء من تطور علمي مطّرد لن يتوقف. إن البشرية التي تتقدم علمياً على قدمين مسرعتين ما زالت أخلاقياً تحبو على كوعيها نحو عالم أكثر عدلاً وصدقاً ورحمة وإن موقفها من المقتلة السورية هو أكبر دليل على ذلك. إن الكمون الحضاري الذي تحمله منطقتنا سيساهم كثيراً في دفع البشرية إلى الأمام عندما تتاح لنا مساحة حرية تمكننا من إطلاق هذا الكمون وتطويره  بما يوازن بين السعي في مناكب الأرض والاسترشاد بهدي السماء. نحن اليوم ندفع ثمن هذه الحرية.


الأمور التي تحدث لنا وتحدث حولنا نوعان لا ثالث لهما: أمور نستطيع التحكم فيها، وأخرى لا نستطيع.  في التعامل مع هذه الأمور أمامنا خياران لا ثالث لهما: قبول حقيقة أننا لا نستطيع التحكم في بعض الأمور والتركيز على ما نستطيع التحكم فيه من أفكار وسلوكيات فنتوازن ويغلب على نفوسنا الشعور بالسكينة والرضا وإن شابها شيء من الشعور بالقلق والضيق (لأننا بشر ولا يمكن ألا يؤثر بنا ما لا نستطيع التحكم فيه)، أو التركيز على ما لا نستطيع التحكم فيه فنفقد توازننا وننزلق في لولب نازل متسارع من الشعور بالعجز والسخط والإحباط.


لا أحد يرفض وجود دولة قوية تستخدم إمكانياتها الضخمة في حماية شعبها من الكوارث الطبيعية، لكن هذا لا يعني بالضرورة تمجيد الديكتاتورية. الجدار الحديدي الذي تفرضه الصين على شعبها سينهار يوماً كما انهارت غيره من جدران  ظن بانوها أنها عصية على الانهيار كالاتحاد السوفيتي الذي حكم نصف العالم بالنار والحديد. وحشية النظام الصيني في التعامل مع شعبه وخصوصاً مع الأقليات كالإيغور لا يجعله نموذجاً حضارياً يُحتذى والنجاح الاقتصادي ما لم يكن قائماً على احترام كرامة البشر نجاح مؤقت قد تطيل عمره ظروف داخلية أو خارجية لكنه لن يلغي الفطرة البشرية في التوق إلى العيش الحر الكريم.  أما عزو نجاح الصين في القضاء على الوباء إلى كونها نظام ديكتاتوري فهو استنتاج متسرع، هناك نظرية معاكسة تقول إن طبيعة النظام الصيني في حجب المعلومات وإخفاء الحقائق هو الذي أدى إلى انتشار الوباء بهذا الشكل، كما أن الأرقام التي تأتي من هذا النظام لا يمكن الوثوق بها.

وأخيراً فإن النقاش الذي أثاره تعامل الصين مع الجائحة حول فوائد الدكتاتورية لا علاقة للنظام السوري به. ما يوجد في سورية ليس ديكتاتورية تعمل لمصلحة بلدها وإنما عصابة طائفية عميلة  عملت منذ اليوم الأول لاستلامها الحكم  على تدمير سوريا مادياً وحضارياً وأخلاقياً بكل ما لديها من وسائل وبعد الثورة استجلبت أقذر ما  على الأرض من عصابات طائفية وقوى استعمارية لاستكمال هذه المهمة.


أظهر الحجر الصحي الذي فرضته الدول أثناء وباء الكورونا أن الاقتصار على أدوات الاكراه لإلزام الناس بالقانون يكلف الدولة الكثير مادياً ومعنوياً وأن الدافع الداخلي النابع من أعماق الناس  والمعبر عن انتمائهم الثقافي هو العامل الأهم الذي يؤدي إلى الالتزام.  قد يلزم الياباني منزله لأن أخلاق الساموراي تقتضي منه التضحية، وقد يلزم الفرنسي منزله لأنه ينتمي إلى ثقافة أخرجت روسو صاحب العقد الاجتماعي، وقد يلزم المسلم منزله لأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، السلوك واحد لكن الدافع يختلف باختلاف الموروث الثقافي للمجتمع والذي يعبر عن هويته وشخصيته الحضارية وهو دافع لا يعمل في أوقات الأزمة فقط بل يشكل الحافز الحضاري الذي يخرج من الأمة  أفضل ما لديها في كل الأوقات.

مهمة الدولة أن تمكن المجتمع من التعبير عن هويته وشخصيته الحضارية لا أن تقمع هذا التعبير وتفرض على المجتمع إيديولوجيات غريبة.


كما أنك لا يمكن أن تنشئ أسرة بالتواصل مع أولادك أونلاين، لا يمكنك أن تربي الأجيال أونلاين.  لا بديل عن التواصل المباشر بين الأستاذ والطالب، وبين الطلاب مع بعضهم البعض، لغة الجسد والنظر المباشر في عيون من يحدثك لا يعوضها أي تعليم رقمي، والنشاطات الجماعية والمهارات الاجتماعية والصداقات التي يصنعها اللقاء الفيزيائي والدفء الإنساني الذي يوفره لا يعوضها أي برنامج للتعليم عن بعد مهما كان متطوراً.  تفيد هذه البرامج والمناهج كبرامج داعمة وكبديل عن المدارس والجامعات الحقيقية في الظروف الاستثنائية، لكنها لا يمكن أن تحل محل هذه المؤسسسات كما يروّج البعض في حمى تمجيد التعليم الرقمي السائدة هذه الأيام.


وأنا أقرأ قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت – 30 ) سألت نفسي: كيف يمكن أن تخلو الحياة البشرية من مشاعر سلبية كالخوف والحزن؟ وورد في ذهنى المعنى التالي: السياق يؤثر في المعنى، ضربة الطبل لوحدها صوت مزعج، لكن الضربة ذاتها عندما تكون جزءاً من لحن يصبح لها في النفس وقع آخر. اللكمة يتلقاها الرجل من لص في الشارع  يكون لها وقع مختلف إذا تلقاها من خصم في الحلبة  لو أن هذا الرجل ملاكم يعشق الملاكمة، وهكذا. كذلك المشاعر السلبية لا نستطيع إلغاءها لكننا نستطيع صنع السياق الذي يعطيها معنى مختلفاً، وهذا ما تفعله الاستقامة عندما يجعلها أحدنا سياقاً يشمل حياته كلها.


التعميمات الخاطئة تضيق واسعاً وتشعر البعض بالنقص من دون مبرر. سأضرب مثالين، المثال الأول: القول بأن على الإنسان ألا يرضى بالوظيفة وأن يفتح مشروعه الخاص وأن الوظيفة تقيد الإنسان وتضيع عليه الفرص، من قال ذلك؟ السعي إلى وظيفة  يحقق فيها الإنسان ذاته، وتحقق له الأمان الاقتصادي، هي غاية نبيلة. ما كل الناس لديها الاستعداد لتكون رواد أعمال، والحياة بحاجة لموظفين ثابتين تستقر بهم المؤسسات وتتمكن من مراكمة خبراتهم. المثال الآخر: عندما نتحدث عن ضرورة امتلاك مهارات العمل الجماعي والعمل ضمن فريق وإلا لن يستطيع الإنسان أن ينجز شيئاً. من الواقع والتجربة هناك أشخاص يبدعون كأفراد لكن طبيعتهم لا تسمح لهم بأن يكونوا لاعبين جيدين عندما يكونون في فريق، هؤلاء يصلحون في إبداع الأفكار وفي الأعمال الفردية كالتأليف وتقديم الاستشارات والأعمال الفنية وأيضاً هؤلاء تحتاج لهم الحياة وهم جزء من التلون الطبيعي الذي يتصف به البشر. المهم أن يعرف الإنسان نفسه ويضعها في المكان المناسب.


الناس يتغيرون عبر السنين وخصوصاً في السنوات التسع الأخيرة .. تتغير قناعاتهم ومواقفهم وقراراتهم ، قد يتخلصون من عيوب أو يكتسبونها، وقد تغيب عنهم صفات أو تظهر فيهم صفات جديدة  .. من الأخطاء الشائعة أن تقيّم إنساناً ابتعدت عنه منذ سنوات وكأنه ذات الشخص الذي كنت تعرفه قبل هذا الابتعاد، هذا الخطأ يضيع أحياناً فرصة عظيمة وفي أحيان أخرى يؤدي إلى ورطة كبرى.


المشاريع التطوعية ليست فندقاً يغادره المرء عندما لا تعجبه الخدمة. هذه المشاريع تقوم بأصحابها الذين يعتبرونها مشروعهم وقضيتهم وعندما تتعثر فكل مساهم فيها يجب أن يعتبر نفسه مسؤولاً عن دعمها وإقالتها من عثرتها وأن يبادر إلى ذلك بنصيحة أو رأي أو وقت أو جهد أو مال كل بحسب استطاعته. من لا يصبر على مشقة الإعداد لإطلاق مشروع ما يصعب عليه الصبر على مشقة المشروع بعد إطلاقه وهي مشقة أعظم وأطول.  وهذه طبيعة عند البعض لم ينج منها حتى الصحابة الذين احتجوا على منع القتال فلما كتب عليهم القتال طلبوا التأجيل " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ" النساء 77-78


الإسقاط النفسي Psychological projection هي أن يتهم الإنسان الآخرين بعلة موجودة فيه في الوقت الذي ينكر وجود هذه العلة عنده. كأن يتهم الآخرين بالاستعلاء أو عدم الإصغاء أو التفرد بالرأي في حين يمارس هذه السلوكيات. الإسقاط حيلة نفسية دفاعية يلجأ إليها الإنسان بشكل لاشعوري للتهرب من الكلفة النفسية الناجمة عن الاعتراف بنقاط ضعفه ومواجهتها، فإلقاء اللوم على الآخرين أسهل وأمتع!

الإسقاط يحرم الإنسان فرصة فهم نفسه وإصلاح عيوبها، ويضعف علاقاته مع الآخرين وقدرته على التأثير فيهم، فمن لا يفهم نفسه ولا يستطيع التأثير فيها لا يمكنه أن يفعل ذلك مع الآخرين. بما إننا بشر فكلنا بلا استثناء معرضون للوقوع في حبائل هذه الحيلة النفسية، والتخلص منها يحدث بمجرد أن يدرك أحدنا أنه واقع فيها. يحتاج ذلك إلى شجاعة أخلاقية وإلى صدق مع النفس ومع الآخرين.


وأنا في الثانية من الخمسين من العمر سمعت عن الكثير من حالات الطلاق وهذه خلاصة ما توصلت إليه.

الزواج شراكة أبدية تقوم على المودة والرحمة بين شخصين. "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" الروم – 21. المودة والرحمة أعمق وأشمل وأرسخ من (الحب)، الحب ضروري لكنه لا يكفي، الحب قد يأتي من أول نظرة وهو لا يحتاج إلى جهد، أما بناء المودة والرحمة فيأتي مع الأيام ويحتاج إلى جهد من الطرفين. الحب هو البذرة، والمودة والرحمة هي الشجرة الراسخة الوارفة التي يتفيأ الزوجان وأولادهما ظلالها فيما لو نالت البذرة حقها من الرعاية، والرعاية هنا لها أشكال كثيرة أهمها الاحترام والتقبل والتسامح وتجاوز الأخطاء وهي ما يحول الحب مع الوقت إلى مودة ورحمة. الحب هو النبع المتفجر من باطن الأرض، والرحمة والمودة هي النهر العريض الذي يشق طريقه بهدوء ويروي بساتين الحياة على طرفيه، لكنه يحتاج إلى مجرى يشقه الزوجان معاً في صحراء العمر ومرة أخرى لا يتأتي ذلك إلا بالرعاية وأهم مظاهرها الاحترام والتقبل والتسامح وتجاوز الأخطاء. شاهدت زيجات تحولت إلى مصدر شقاء لأنها كانت بسبب مصلحة أو شهوة عابرة أو تحت ضغط اجتماعي أو لمكايدة حبيب سابق، لكن ذلك لا يعني الفشل الحتمي ففي حالات نادرة شاهدت زيجات بمثل هذه البدايات الخاطئة تحولت إلى شراكة حقيقية عندما قرر أحد الطرفين تصحيح المسار وتحويلها إلى شراكة حقيقية قائمة على المودة والرحمة،  يحتاج ذلك إلى جهد كبير من الطرفين وخصوصاً من الطرف المبادر.


إنهاء الوجود الإيراني في سوريا يوفر للسوريين فرصة أفضل لتحقيق أهداف ثورتهم وإقامة دولة الحق والعدل والقانون، من هذه الزاوية  لا أعتقد أن هناك مصلحة لاسرائيل وأمريكا في  إنهاء هذا الوجود بشكل كامل  وإنما مصلحتهم في تقليم أظافره  كي لا يشكل تهديداً لمصالحهما وأعتقد أن إيران جاهزة للتفاوض حول هذه المسألة.  لا يعني ذلك ألا نستفيد من أي تناقض بين المصالح الأمريكية - الاسرائيلية والمصالح الإيرانية ولكن من دون أن نغفل عن حقيقة أن سوريا الحرة القوية المستقلة المستقرة ليست في مصلحة أيٍّ منهم. 

المؤلم فيما يحدث أن حسابات وتحركات الكثير من (المعارضين) قائمة على أساس أنه لم يعد للسوريين دور في تحديد مصيرهم وعليهم  انتظار ما ستسفر عنه اتفاقات الدول  التي لن تحرص إلا على مصالحها،  المؤلم أن هؤلاء (المعارضون)  يقرون بغياب فاعل  سوري سياسي  يتمتع بالاستقلال والشرعية الشعبية يحدد  مصلحة السوريين ويعمل على تحقيقها لكنهم ينفضون أيديهم  تماماً من مسؤوليتهم عن صناعة هذا الفاعل  بل منهم من ينظّر حول استحالة ذلك!


في التوازن بين الثبات والحركة

بالتوازن بين الثبات والحركة يقوم بناء الكون من أصغر مكوناته إلى أكبرها.  فالذرة الكترونات تتحرك حول نواة ثابتة والأفلاك تدور حول مركز ثابت، ولو تحرك كل شيء في الكون لانهار ولو ثبت فيه كل شيء لانهار.

حياة الأفراد  تقوم على التوازن بين الثابت والمتحرك.  فالإنسان يحيا وفق مبادئ وقيم ثابتة، ثم يتحرك في ميادين الحياة منوّعاً ومجدّداً  وسائله وأدواته التي تحوّل هذه المبادئ والقيم إلى مشاريع وإنجازات. 

حياة المجتمعات تقوم على التوازن بين الثابت والمتحرك. فلكل مجتمع ثوابته وهويته الثقافية وتراثه وتجربته التاريخية وهذا ما يعطي البشرية التنوع والغنى الذي تحتاج إليه لكي يحدث التفاعل الخلاق بين المجتمعات البشرية المتنوعة،  ثم بعد ذلك يتحرك المجتمع بلونه الخاص وهويته الفريدة في ساحات الفكر والعمل ليقدم مساهمته المتميزة في مسيرة الحضارة البشرية.

الثبات لا يناقض الحركة بل يوجّهها ويعطيها قيمتها فالحركة إن لم تكن نحو هدف ثابت تصبح عبثاً لا طائل منه.

والثبات لا يناقض النمو  بل هو شرطه الذي لا بد منه. فالبناء لا يرتفع عمرانه ما لم يقم على أرض ثابتة، والشجرة لا تنمو أغصانها ما لم تكن جذورها ثابتة.

والثبات لا يناقض الانفتاح بل يمنح صاحبه الثقة لينفتح على الجميع دون أن يخشى الضياع. فالشجرة تثبت جذورها في الأرض أولاً ثم تفتح أوراقها للنور تتلقاه من كل الجهات.


عندما تملُّ النفوس وتخور العزائم وتجتمع الهزائم وتتراكم التحديات وتكثر الإحباطات، هنا يأتي وقت القيادة والريادة، لا عندما يشتعل  الحماس في الجماهير وتتالى الانتصارات ويتراجع العدو.

Share