cover

خواطر 2020-3

لو أني طلبت من السوريين اليوم التظاهر للمطالبة بأمر ما، فاستجاب لي 50 منهم، معنى ذلك أن قوتي الشعبية تساوي 50، ولو استجاب لي 500 ألف منهم فمعنى ذلك أن قوتي الشعبية تساوي 500 ألف. ما هي القوة الشعبية لمن يتصدرون مشهد المعارضة اليوم؟ ولماذا لم يتمكنوا طوال هذه الأعوام برغم كل الموارد التي أتيحت لهم أن يصنعوا قوة شعبية؟ أليس هذا لوحده  مبرراً كافياً للتنحي؟


عبارة (متصالح مع نفسه) توهم أن هناك طرفان متصارعان يجب أن يتصالحا، بينما لا صراع هنا والإنسان إما جاهل بنفسه أو متفهم لها، فإذا استخدمنا  (متفهم لنفسه) بدلاً  من (متصالح مع نفسه) اختفت فكرة الصراع وذيولها النفسية السلبية واتجه التفكير نحو فهم النفس وهو المطلوب هنا. 

عبارة (نقاط الضعف والقوة عند الإنسان) توهم أن لدى الإنسان ضعفاً عليه أن يتعامل معه، بينما لدى الإنسان (طباع) تتحول إلى نقاط ضعف أو قوة بحسب فهم الإنسان لطباعه ووضع نفسه في المكان المناسب. مثلاً، حب العزلة والتأمل يتحول إلى نقطة ضعف عندما يعمل صاحبه في مجال العلاقات العامة، ويتحول إلى نقطة قوة عندما يعمل في مجال يحتاج إلى التفكير والإبداع، فإذا استخدمنا (الطباع) بدلاً من (نقاط الضعف) اختفت فكرة الضعف وذيولها النفسية السلبية واتجه التفكير نحو فهم الإنسان لطباعه ووضع نفسه في المكان المناسب وهو المطلوب أيضاً.

 اللغة لا تصف الواقع وحسب، وإنما تشيّده أو تهدمه! وبعض العبارات تخلق مشكلة ثم تشغلنا بحلها فإذا استغنينا عن العبارة استغنينا عن المشكلة معها.


يمكننا استخدام أربعة معايير لتقييم أداء أي معارض يزعم تمثيل الثورة السورية:

1- المهنية:

 إلى أي مدى كان ملتزماً  بالمعايير المهنية في أدائه ومن هذه المعايير:

أ‌. هل كانت لديه استراتيجية واضحة يعمل وفقها أم إن قراراته كانت ردود أفعال  واستجابات لطلبات الدول؟

ب‌. في حال كانت لديه استراتيجية، هل تم وضعها بشكل احترافي وبمشاركة الخبراء والمعنيين في المؤسسة التي ينتمي إليها هذا المعارض؟

ت‌. هل التزم بالاستراتيجية الموضوعة – إن وجدت-؟

ث‌. هل كان متفرداً في قراراته أم إنه التزم بقواعد العمل المؤسساتي؟

ج‌. هل كان يتبع المعايير المهنية في إدارة عملية التفاوض؟

2- الشفافية:

إلى أي مدى كان صادقاً مع الناس الذين يمثلهم في إطلاعهم على الحقائق وعلى الضغوط التي يتعرض لها؟ وهل كان يعترف بالأخطاء أم  ينكرها ويحول فشله إلى إنجازات وانتصارات؟

3- الالتزام بمبادئ الثورة التي يزعم تمثيلها:

هل كان فعلاً يعمل على تخليص السوريين من إجرام الأسد ومعاقبة المسؤولين عن هذا الإجرام؟ أم كان يساعد الدول المنخرطة في الملف السوري – من حيث يدري أو لا يدري- على إعادة انتاج النظام ودفع السوريين الأحرار إلى اليأس والتصرف بمنطق المهزوم؟

4- الإنجازات:

من الإنجازات التي يمكن قياس أداء المعارض على أساسها:

أ‌. ما هو الانجاز الذي حققه في ملف المعتقلين؟

ب‌. ما هو الإنجاز الذي حققه في ملف المناطق المحاصرة؟

ت‌. ما هو الإنجاز الذي حققه في ملف توحيد القوة العسكرية للثورة؟

ث‌. ما هو الإنجاز الذي حققه في ملف إصلاح مؤسسات المعارضة وزيادة التمثيل الشعبي فيها وزيادة رضا أهل الثورة عنها؟

ج‌. ما هو الإنجاز الذي حققه من خلال المؤسسات الإعلامية للمعارضة وحملات العلاقة العامة في كسب الرأي العام في الدول الفاعلة في الملف السوري إلى جانب الثورة السورية؟

بناء على المعايير السابق يمكننا قياس نجاح المعارض.

ملاحظة أخيرة، ما يلي ليست من معايير نجاح المعارض الذي يمثل الثورة السورية:

1- عدد السنوات التي قضاها في منصبه

2- عدد الساعات التي قضاها في الكولسة ليظل في منصبه

3- عدد الساعات التي ظهر فيها على وسائل الإعلام

4- عدد اللقاءات مع السفراء والمسؤولين في الدول المعنية بالملف السوري

5- مدى رضا الدول المعنية بالملف السوري عنه ورغبتها في بقائه في موقع القرار


خيبة الأمل هي التسمية التراجيدية لمفهوم حيادي هو (عدم ملاقاة التوقع). أي أتوقع أمراً من شخص ما فيكون أداؤه أقل من توقعي.

عدم ملاقاة التوقع ظاهرة إنسانية جداً وجزء طبيعي من الحياة. فمهما بلغت بنا الخبرة بالحياة لا يمكننا أن نتوقع 100% ما يمكن أن يصدر من الآخرين فهذا لا يكون إلا لله تعالى علام الغيوب.

عدم ملاقاة التوقع فرصة ثمينة للتعلم، فنحن نخفق في توقع ما سيصدر عن الآخرين بسبب جهلنا بهم وتسرعنا في الحكم عليهم، وأحياناً يكون الآخرون أفضل من توقعاتنا للسبب نفسه فنخسر فرصة الاستفادة منهم بشكل أفضل.

عندما نتواصل بشكل جيد مع أنفسنا ومع الآخرين نحول عدم ملاقاة التوقع إلى فرصة للتعلم، وعندما لا نتواصل بشكل جيد نحوله إلى مبرر للعب دور الضحية والبكاء على الأطلال.


التخطيط والتقعيد (وضع القواعد) ووضع سيناريوهات التعامل مع الاحتمالات المختلفة على الصعيدين الفردي والمؤسساتي ضروري لأنه يمكننا من استثمار مواردنا بشكل أفضل ويشعرنا بالأمان. لكن الغموض الذي يكتنف الدروب الجديدة لا يمكن تجنبه، وبعض الخطط لا تكتمل إلا في أثناء التطبيق فكل مرحلة تحدد المرحلة التي تليها، وعفوية اللحظة تشكل دفقاً يرفد أداءنا بطرق لا يمكن توقعها، لذلك لا بد من مساحة من العفوية والغموض نتعايش معها بل نحتفل بها. لا يعني ذلك ألا نخطط لكن المبالغة في وضع التفاصيل والقواعد والسيناريوهات يتحول إلى قيد، ويسلبنا الشعور بالأمان بدل أن يمنحنا إياه، خصوصاً عندما نواجه اللامتوقع وما أكثره هذه الأيام.


الحرص على المنصب والتمسك به يحوله من وسيلة إلى غاية، لكن الزهد فيه  يكون أحياناً جبناً وتهرباً من المسؤولية. على الإنسان أن يرضى بالمنصب إن غلب على ظنه أنه قادر على خدمة قضيته من خلاله، بعد ذلك، النتائج وتقييم الإنسان لنفسه وتقييم الآخرين له خلال فترة زمنية كافية هي التي تحدد للإنسان الصادق مع نفسه إن كان هو الشخص الأنسب لشغل هذا المنصب أو أن عليه أن يفسح المجال لغيره بعدم الترشح للمنصب ثانية أو حتى الاستقالة إذا لزم الأمر، وفي الأمة خير كثير.


سورية إما أن تكون بلداً واحداً مستقلاً مستقراً يتمتع جميع السوريين بخيراته أو أن تكون ساحة صراع لا ينتهي، صراع الآخرين على أرضنا بدمنا ولحمنا. هذا قرارنا نحن السوريين ولئن خرج من أيدينا اليوم فالعمل على استعادته يظل قرارنا، ولا عزاء للمستسلمين.


التحركات الشعبية في الدول العربية – الشبابية في معظمها - الثائرة على الفساد والطبقة السياسية التقليدية والتي كان آخرها في الجزائر والعراق ولبنان يظل تأثيرها محدوداً ما لم تتحول إلى قوى سياسية منظمة لها رؤاها ومشاريعها. طهرانية هذه التحركات وتعففها عن طلب السلطة يتحول إلى نقطة ضعف تستغلها القوى السياسية التقليدية لتقول: هذه تحركات عاطفية تحتج على الواقع ولا تطرح بديلاً. الانتخابات لا تخوضها تحركات شعبية تقتصر على الاحتجاج وإنما أحزاب سياسية يجب أن يسعى الشباب المطالب بالتغيير إلى تشكيلها على أن تتبنى مفهوماً جديداً للسياسة والعمل الحزبي يقوم على الكفاءة والأمانة وتحويل الشفافية والمحاسبة وخدمة الناس من شعارات إلى برامج وممارسات.


معرفة الحقيقة من دون عدالة لا تحقن دماً ولا تردع معتدياً. والعدالة لا تُستجدى وإنما تُفرض بالقوة. قوة السلاح وقوة الفكرة وقوة السياسة وقوة التنظيم.


ما مصدر الاتهام؟ ما مصداقية المصدر؟ ما دليله؟

ثلاثة أسئلة لو علقنا نقل أي اتهام لأي شخص او جهة قبل الاجابة عليها لتجنبنا الكثير من الظلم  وتدمير الثقة وإفشال الاعمال الجماعية ودفع المخلصين إلى الانكفاء.


لا متفرجون في هذه المعركة، إما تقتله أويقتلك، عن اليأس أتحدث.


بالرغم من كل ما حل ببلدي من خراب مادي ومعنوي ما زلت أؤمن أن سورية الجديدة المليئة  بالفرص هي وطن ممكن وأن بناءه  أنبل واجب وأعظم قضية.  ما زلت أؤمن بقوة – وإن كنت كغيري أتلمس الطريق – أن بإمكاننا بناء وطن يخرجنا من حالة التيه الوجودي ويداوي أرواحنا الجريحة  ويحمي كراماتنا ونتقاسم خيراته العظيمة ونفخر بالانتماء إليه. سورية الجديدة تلك تحتاج إلى عمل فكري وسياسي واجتماعي جبار وخلاق يستلهم التاريخ ويفهم الحاضر ويطرق بشجاعة أبواب المستقبل ويجيب على أسئلة الهوية الوطنية بعمق ويقرن الفعل بالتنظير.


إلى (ثوار) الأمس الذين نفتقدهم اليوم ......

لم تعد القضية قضية ثورة نشارك بها أو لانشارك.

القضية اليوم هي قضية وطن  نحرره ونبنيه أو  نتركه نهباً لغاصبيه.

 قضية حقوق نحشّد لها لنستعيدها أو ننساها ونتخلى عنها.

قضية أهل لنا في الداخل والخارج نعمل من أجل كرامتهم وحريتهم أو نخذلهم ونتركهم لمصيرهم.

إذا شعرت انك وصلت الى طريق مسدود فهذه فرصة للمراجعات والتعلم والتكيف لا للكفر بالقضية والتخلي عنها.

البعض عادوا إلى المربع الأول الذي زلزلنا الكوكب عندما خرجنا منه؛ مربع (ما دخلنا) ومبرراته الزائفة (أبني نفسي فينبني المجتمع ولا علاقة لي بالشأن العام).

ادرس واعمل وتزوج ومكّن لنفسك في البلد الجديد ولكن لا تقفز من سفينة القضية التي تعمل لأجلها لأنك ستكتشف بعد حين أنك غارق في ألم الضمير وإن خدرت نفسك بمعسول المبررات.

لا مفر من الإجابة على الأسئلة الصعبة التي أطلقها التغيير الكبير، ولا مفر من مواجهة تحديات العمل الجماعي الذي تتطلبه الاستحقاقات الكبرى. الطريق أصعب مما تصورنا لكن كلفة التوقف أكبر من كلفة المضي والله يرزق السائرين العزم والصبروالسلوان من حيث لم يحتسبوا.


في الفريق المتكاتف يبحث كل عضو عن نقاط ضعف الآخرين  ليكملها بنقاط قوته، وهكذا تمتد نقاط قوة البعض لتغطي نقاط ضعف البعض الآخر ويتحرك الفريق بأفضل ما لديه من مواهب وقدرات ويبدو بمجموعه وكأنه لا نقاط ضعف فيه مع أنها موجودة عند أعضائه كأفراد.

بالمقابل في (الفريق) المتنافر يبحث كل عضو عن نقاط ضعف الآخرين ليتحدث عنها بسلبية ويحملها مسؤولية أي إخفاق، في فريق كهذا ينتشر التلاوم والتنصل من المسؤولية بين أعضائه وتمتد نقاط ضعف بعضهم لتبتلع نقاط قوة البعض الآخر وهي الوصفة المثلى لفشل أي عمل جماعي.


أحدهم يسلب مني ومن أهلي كل يوم مبلغاً من المال ولمدة خمسين عاماً ولا أحد منهم يعترض، لم أعد أحتمل وذهبت إليه لأطالب بحقي وحقهم فوجه لي لكمة أدمت وجهي، ما هو التقييم الأخلاقي لمن ينظر من أهلي إلى وجهي الدامي ويقول لي: أنت السبب في إدماء وجهك!

ماذا أقول لبعض أهلي الذين يقولون: أنت تعلم أن هذا السالب مجرم وسيؤذيك ويؤذينا إذا طالبت بحقوقنا؟ هل أقول لهم:  نعم أعلم ذلك لكن بعد أن ازداد إجرامه بسبب استمرار سكوتكم طوال خمسين عاماً ظننت أن وجهي الدامي سيحرك نخوتكم ويدفعكم إلى الوقوف معي وهذا سيردع المجرم ويحمينا منه جميعاً؟

المجرمون موجودون في كل مجتمع لكن السلطة تردعهم وتحمي المجتمع منهم. فإذا كانت السلطة هي المجرمة على المجتمع أن يتحرك ليحمي نفسه فإذا لم يفعل  سيدفع  الجميع الثمن (واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة).

معذور من لا يتحرك نتيجة لضعف وقلة حيلة  (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) لكن الخراب الأخلاقي الذي يجر الخراب المادي هو أن يتحول عدم التحرك إلى صواب وفضيلة ويصبح التحرك هو الخطأ والرذيلة.

الفقر والمرض وفقدان الأحبة بلاءات عظيمة لكن البلاء الأعظم أن يعتقد المرء أنه خلق ليعيش ويموت عبداً وأن يكره الأحرار أكثر من كره جلاديه حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت أقدامهم!


أتفهم حالة الإحباط التي يعيشها البعض من تجارب العمل الجماعي التي خاضها السوريون وخصوصاً في المجال السياسي. لكن ما من عمل  مضمون النجاح منذ البداية وما من عمل  يصل الى خطة واضحة ونظام مستقر نسبياً من دون مرحلة غموض تنجلي تدريجياً بالتواصل الجيد والتفكير المشترك بين أعضائه وخصوصاً في ساحة متحركة كالساحة السورية.  من يريد عملاً كاملاً خالياً من العيوب والأخطاء والعثرات ومن يريد تجاوز مراحل النقاش والأخذ والرد والتوتر الناجم عن التعامل مع الاختلافات وصنع التوافقات وبناء الثقة ونسج الانسجام وما يصاحب كل ذلك من نجاحات وإخفاقات وصعود وهبوط وتعثر ونهوض سيظل لوحده على الأرجح. بالتأكيد ليس عيباً أن يعمل الإنسان لوحده فطبيعة البعض تجعله يعطي ويبدع كفرد أكثر مما يعطي ويبدع عندما يكون جزءاً من فريق.


ليكف البعض عن تصوير أي معارضة لسياسات (المعارضة السورية) على أنه شق للصف وتشتيت للأصوات بل هو دليل عافية وحيوية في المجتمع السوري ففي الدول المستقرة حيث الأحزاب منتخبة من الشعب وفي مواجهة قضايا أكثر وضوحاً بكثير من القضية السورية تتعدد وجهات النظر السياسية بين مؤيد ومعارض ولولا ذلك لكانت مجتمعات تلك الدول ميتة لا حياة فيها.

انتهى زمن التصفيق وفق منطق (لاصوت يعلو على صوت المعركة) أو منطق (يجب ألا نشوه صور قاداتنا) من يدعي تمثيل الشعب هو  موظف عنده عليه أن يستمع له ويحترم اعتراضاته.


التدليس على الناس وإخفاء الحقائق عنهم لأن (عقولهم لا تستوعبها) هو احتقار لهم ومن يحتقر الناس يستحيل أن يقودهم إلى مستقبل أفضل.

القادة الذين كانوا نقطة تحول في تاريخ شعوبهم لم يأت أحدهم بشعب جديد وإنما جعل الشعب ينظر إلى نفسه نظرة جديدة، آمن بالشعب فآمن الشعب بنفسه فتفتحت طاقاته وانطلقت إمكانياته.


عندما نصبر على مقتضيات العمل الجماعي في مواجهات التحديات الكبرى التي تحيط بنا نحن لا نمارس فضيلة وإنما نمارس غريزة البقاء لأن البديل هو الانتحار الجماعي.


لا أعتبر نفسي مفرطاً في التفاؤل كل ما في الأمر أنني أطبق ما تعلمته في صغري من أهلي وأساتذتي.

علمونا عندما كنا صغاراً كيف غيّر الرسول والصحابة وجه الدنيا في سنوات قليلة لأنهم حملوا إيماناً راسخاً كالجبال قطعوا به صحارى مهلكة وواجهوا جيوشاً عاتية بعدد وعتاد قليلين.

الصحارى المهلكة اليوم هي الأفكار التي تدعو إلى الاستسلام والكفر بالنفس وبقدرة السوريين على صنع مستقبل حر كريم، والجيوش العاتية هي مشاعر اليأس والشعور بالعجز والدونية وضعف الثقة بالنفس والآخرين.

بصراحة، لا أفهم كيف يجتمع اليأس والإيمان في قلب واحد؟!


على مستوى المشاريع الجماعية السورية، أعرف مشاريع جماعية مستمرة منذ سنوات ومشاريع انتهت لأسباب خارجة عن إرادة أصحابها ومشاريع انتهت بسبب سرقات وفساد وسوء أخلاق ومشاريع انتهت بسبب خلافات تافهة وعقول صغيرة. بالمقابل هناك مئات المشاريع الجماعية السورية القائمة الآن في كل المجالات تنهض بمجموعها بمهام تعجز عنها الدول يعمل فيها آلاف المخلصين.

وعلى مستوى الأفراد، أعرف محتالين ونصابين ودجالين يلتحفون بعلم الثورة ويتحدثون عن المبادئ والأخلاق.  بالمقابل أعرف الكثيرين ممن ينفقون بالسر حتى لا تعلم يمينهم ما أنفقت شمالهم وممن يتطوعون بصمت ويضحون بصمت ويلهمون من حولهم بصمت.

الثورة تخرج من المجتمع أفضل وأسوأ ما فيه دفعة واحدة فيتدافع الأفضل والأسوأ حتى تتحقق سنة الله (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وفي بدايتها يتساوى الجميع،  الصادق والدعي، القوي والضعيف، صاحب الرؤية والمندفع على غير هدى، طويل النفس وقصيره، ولكن مع طول الوقت ومشقة الطريق وارتفاع الكلفة وبروز العقبات، تفرز الساحات رجالها ونساءها، فلا يثبت إلا الصادقون الأقوياء أصحاب الرؤية والنفس الطويل وتلك حكمة الله في تمحيص هؤلاء والدفع بهم إلى دفة القيادة ولو بعد حين.

يجب أن ننظر إلى الواقع بوعي تاريخي يدرك سنن الله في التغيير ويؤمن بوعوده وإمكانية تحقيقها وأن نتجنب النظارات من أي نوع، فلا نضع نظارة وردية لا ترينا إلا الحسنات فنعمى عن رؤية السيئات ومعالجتها – ومن يضع هذه النظارة هو أكثر الناس يأساً وإحباطاً عندما تسقط عن عينيه نتيجة تجربة ما ويكتشف الحقيقة – ولا نضع نظارة سوداء لا ترينا إلا السيئات وكأننا شعب من اللصوص والمنحطين أخلاقياً لا خير فينا ولا رجاء منا!


يؤثر صوت السوري عندما:

1) يؤمن أنه له صوت

2) ويجمعه مع أصوات الآخرين

3)  ويبتكرون معاً طرقاً لإيصال صوتهم موحداً إلى العالم

قبل تسع سنوات أدرك بضع آلاف من السوريين هذه الحقيقة وتصرفوا بناء عليها فزلزلوا نظام الأسد وأوشكوا أن يسقطوه وكل ما حدث بعد ذلك كان لإسكات هذا الصوت وإعادته إلى حظيرة الصمت والخوف.

واجبنا اليوم أن نعيد الإيمان والأمل وأن نرفع صوتنا وننظمه ولو كان العالم لا يحسب لصوتنا ألف حساب لما جند كل قوى الشر لإسكاته سواء بالنار والحديد أو بخدع السياسة وألاعيبها.

Share