cover

خواطر 2021-4


بعيداً عن السياسة ولأسباب نفسية بحتة، ولأن الإنسان السوري طبيعي كغيره من البشر، لا يمكن لهذا الإنسان أن يبدأ باستعادة توازنه العقلي والنفسي واسترداد ثقته بنفسه والعالم ما دام المجرم بشار في منصبه يمد لسانه ساخراً من ملايين ضحاياه.


لا توجد دولة في العالم، من دون أي استثناء، عندها مشكلة في إعادة تأهيل النظام، إن كان ذلك يحقق مصلحتها،
لا توجد عند أي دولة عوائق أخلاقية، العوائق هي قانونية وسياسية، وهي عوائق يمكن أن تلتف الدول عليها، كما وجدنا في حالات مشابهة، جريمة اغتيال الحريري مثالاً، مع فارق التشبيه،
العائق الوحيد الذي يمنع تأهيل النظام، هونحن!
نعم نحن السوريون الأحرار الذين ثرنا على هذا النظام المجرم، وعددنا بالملايين، عندما نتمسك بسرديتنا عن إجرامه، وباستحالة أن نقبل العودة إليه والعيش في كنفه، وعندما ندافع عن هذه القضية في كل محفل سياسياً وحقوقياً وإعلامياً وفنياً، وعندما نمارس الصبر الاستراتيجي ونؤمن بقوة الاستمرارية والتراكم،
فلا تموت القضية إلا عندما تموت في نفوس أصحابها، حتى القضايا الباطلة تنتصر عندما يتمسك أصحابها بها في وجه الدنيا كلها،
هذه هي الطريقة الوحيدة لكي نستطيع النظر في المرآة باحترام إلى أنفسنا،
ولا عزاء لبائعي الخور والهزيمة والاستسلام.


أسميها (الشخصية المخاطية) لأنها كالمشبّه به؛
لزجة رخوة لا قوام لها ولا صلابة فيها،
متأرجحة لا تعرف لها اتجاهاً، تسيل إلى أسفل إذا أسلتها، تنسحب إلى أعلى إذا سحبتها،
ما يهمها فقط أن تظل هناك .. لامعة وعلى الوجه، مهما كانت مقزّزة!


تناقضات المنطقة وتجنب الانفجار المحتوم
أصل التناقضات في منطقتنا أن هناك قوى لا تريد لشعوبها أن تتحرر وتأخذ أمرها بيدها،
كانت الأمور تحت السيطرة عندما كانت الشعوب نائمة، لكن ما إن استيقظت حتى تحركت الصفائح وبدأت الزلازل التي لن تتوقف حتى تستقر المنطقة على وضع لن يكون مثالياً في عدالته لكنه لن يقوم على حالة التوحش والدموية والفساد الرهيبة التي حكمت وما زالت تحكم منطقتنا حتى اليوم.
في لبنان …
المنظومة التي قتلت الحريري وعشرات المعارضين للنظام السوري وحلفائه في لبنان هي ذاتها التي تعيق التحقيق في انفجار المرفأ الذي دمر نصف بيروت لأنه سيكشف خيوط جريمة أكبر تشير الكثير من القرائن إليها وهي أن نترات الأمونيوم التي كانت في المرفأ استخدمت في صنع البراميل التي قتلت عشرات ألوف السوريين
في العراق ..
تُمنى الأحزاب المدعومة من إيران بهزيمة ساحقة في الانتخابات فتهدد بالفوضى حتى تأخذ بالتهديد الحصة التي لم تأخذها عن طريق صناديق الاقتراع
في الاردن ..
محاولة بائسة من الملك عبد الله لتعويم النظام وكأنه لا يدرك أن الصيغة القديمة التي كان النظام يلعب فيها دور الأزعر الذي يحاول الجميع إرضاءه تجنباً لأذاه لم تعد صالحة بعد الثورة السورية
في شمال سورية …
خصوم تركيا في الشمال السوري (روسيا وأمريكا) يحاولون ابتزازها بالورقة الكردية، وعوامل الانفجار هناك أكبر من عوامل التهدئة
في الملف النووي الإيراني ..
مع أن إيران واسرائيل تلتقي مصالحهما في إبقاء المنطقة العربية ضعيفة مفككة تضج بالصراعات، إلا أنها تفترق عند الملف النووي، فإيران تصر على امتلاك النووي أو التهديد بامتلاكه لإحكام سيطرتها على المنطقة، واسرائيل تعتبر ذلك خطراً وجودياً لا يمكن التأقلم معه
إذا ألقينا نظرة بانورامية على المنطقة نجد أن التناقضات التي تؤدي إلى الانفجار الكبير تتراكم تدريجياً وأن القوى الكبرى تحاول تنفيسها من خلال مواجهات ومناورات محدودة عسكرية وسياسية (في سورية واليمن وفلسطين والعراق وليبيا) حتى تتجنب الانفجار الكبير،
وكون هذه القوى لا تعالج أصل التناقضات وهو حرمان الشعوب من حقوقها فهي تنجح في تنفيس الاحتقان مؤقتاً لكنها تؤسس لاحتقان أكبر ولن يطول الوقت حتى تغلب سرعة الاحتقان سرعة التنفيس وتندلع المواجهة الكبرى بدءاً من شرارة ما في أي ملف من ملفات المنطقة المتشابكة، وقد تكون هذه الشرارة اغتيال زعيم كبير في لبنان أو العراق،
نحن نمر في مخاض تاريخي لا بد منه، تسريع هذا المخاض وتقليل ألمه رهن بإصرارنا كشعوب على المضي قدماً في نيل حريتنا واستقلالنا الحقيقي من الاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي، وبتسلحنا بالمعرفة والعلم والادوات والمهارات اللازمة لفهم العالم الذي نعيش فيه ولتنظيم أنفسنا في كيانات لديها رؤى واستراتيجيات واضحة.


الكلمات التي لا تعبر بصدق عما يجول في القلب لا حياة فيها مهما كانت منمّقة، كأنك أمام جثة معطرة!


في سد الباب الذي تأتي منه الر يح
لا تسد باب العقل الذي تأتي منه ريح الأسئلة،
فالريح تدفع بأشرعة السفن بعيداً حتى تصل إلى أراض جديدة،
والريح تثير السحاب الركام وتأتي بالمطر الذي ينبت الأرض،
والريح تحمل حبوب الطلع التي تلقح الأزهار وتجعل الربيع ممكناً،
عندما تسد الباب قد تستريح من الريح لكنك تحرم نفسك من الهواء والنور الذي يدخله الباب، فضلاً عن ذلك تبقى أبد الدهر حبيس بيتك،
لو كان سد الباب هو الخيار الصحيح في مواجهة الريح لما صمم صانع البيت باباً، هو صممه لتتحكم فيمن يدخل بيتك أو يخرج منه لا لتُسده خوفاً من الريح،
لا تخف.. لن تطيح الريح ببيتك! فخالق البيت والباب والريح واحد وهو يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.


كثيراً ما نسمع (نريد أفعالاً لا أقوالاً)
في السياسة (القول) هو أحد أشكال الفعل!
وإلا .. لما كمّ الطغاة الأفواه ولما ملأوا السجون بمن يقولون كلمة الحق


كلام صريح زيادة عن اللزوم
يُقتل سبعة منهم فيخرج قائدهم شاهراً إصبعه بوجه الجميع ويقول: لن يبقى دمهم على الأرض
يُقتل مئات الألوف منا وتسيل أنهار دمائنا فيتسابق من يُفترض أنهم قادتنا للجلوس مع القاتل ويجعلونه شريكاً في كتابة (الدستور)، حتى من دون أن يأخذوا تعهداً بإيقاف القتل!
يقول البعض ومن أين لنا بالسلاح لنحمي دمنا، افتقارنا إلى السلاح نتيجة وليس سبباً،
رخص الدم السني في منطقتنا ظاهرة تحتاج إلى دراسة اجتماعية فكرية نفسية عميقة، وسببه فينا قبل أن يكون في الآخرين، فالسني دمه رخيص عنده قبل أن يكون رخيصاً عند الآخرين،
نحن السنة - وسأتحدث بالعامية - نعانيع تشاتيش لا تعرف قلوبنا كره من يقتلنا ونريد حياة آمنة سالمة ولو كانت تحت نعال الآخرين
بالمناسبة هذه ليست دعوة ليكون الدم السني أغلى من غيره، بل ليكون مثل غيره، فالدماء في ديننا متساوية في الحرمة ولولا ذلك لما هناك تنوع ديني في بلادنا ولما كانت أقليات ينادي البعض بحمايتها عن طريق قتل الأكثرية حتى لا تصل إلى الحكم
كلام صريح زيادة عن اللزوم لكن لا شيء يحقق العدل والأمان والاستقرار في منطقتنا أكثر من أن تأخذ الأكثرية حقوقها، وأولها حقها في العيش وبكرامة، وهو حق لا يؤخذ إلا انتزاعاً بكل أنواع القوة المادية والمعنوية، وما لم ندرك ذلك سيظل نهر دمنا جارياً بلا توقف


لمن يقول إن الانسحاب من اللجنة الدستورية لا يخدم الثورة .. هذه هي الأطراف التي لا يخدمها الانسحاب من اللجنة:
الانسحاب من اللجنة الدستورية لا يخدم روسيا لأنه يطيح بالتفسير الروسي للقرار 2254 الذي يفرغه من مضمونه القاضي بانتقال سياسي ويمسخه إلى دستور وانتخابات
ولا يخدم تركيا لأنه يقضي على تفاهماتها مع روسيا واللجنة الدستورية في صلب هذه التفاهمات
ولا يخدم الدول العربية لأنه من مصلحتها تعويم النظام والتطبيع معه بدلاً من انتقال سياسي حقيقي يحقق أهداف الثورة ويغري الشعوب العربية بالمطالبة بحقوقها
ولا يخدم الدول الغربية لأن فشل اللجنة الدستورية يظهر عجزها في الضغط على النظام وحلفائه للالتزام بالقرار 2254
ولا يخدم النظام لأنه يحرمه فرصة شراء الوقت في إيهام المجتمع الدولي بقبول الحل السياسي في حين يمضي في الحل العسكري ويستعيد المناطق الخارجة عن سيطرته شيئاً فشيئاً
ولا يخدم المنتفعين من المعارضة لأن بقاءهم في مناصبهم مرتبط بخدمة هذه الأطراف جميعاً من خلال التمسك باللجنة الدستورية على حساب مصلحة السوريين وتحقيق أهداف ثورتهم، ولا عزاء للمغفلين منهم!


لسنا بسطاء ولا حالمين، ندرك أن أعمارنا أقصر من أن تتسع لتحقيق آمالنا العظيمة التي نحملها لسورية والسوريين، لكننا لا نشك لحظة أن هذه الآمال ستتحقق يوماً، وأن التاريخ سيتحدث عن رجال ونساء ساهموا في تحقيقها مقارعين الاستبداد والخوف والجهل واليأس بكل شجاعة حتى آخر نفس في صدورهم
87- ليس مطلوباً من الجميع أن يكونوا أطباء لكن يجب علينا جميعاً أن نتمتع بالوعي الصحي الذي يمكننا من الحفاظ على صحتنا، وخصوصاً في أوقات الأوبئة وإلا فتكت بنا ورأينا أهمية ذلك في وباء كوفيد.
قياساً على ذلك، ليس مطلوباً من الجميع أن يكونوا سياسيين، لكن يجب علينا جميعاً أن نتمتع بالوعي السياسي الذي يمكننا من الحفاظ على حقوقنا، وخصوصاً في أوقات الثورات وإلا ضاعت على يد العابثين والمفرطين.
عشرات الأشخاص فقط سرقوا قرار الملايين بسبب اللامبالاة القاتلة التي يعيشها أكثرية أهل الثورة!


إلى الجيل الجديد، تجاوزونا! تجاوزوا طرائق تفكير جيلنا وإلا لن تصلوا إلى آفاق جديدة


العادل المستبد!
الاستبداد والظلم والجور والطغيان كلها مترادفات لمعنى واحد هو: تجاوز الحد. والحد هنا هو القانون الذي ترتضيه جماعة من البشر تعيش على مساحة من الأرض ضمن دولة. ويسمى الحاكم مستبداً أو ظالماً أو جائراً أو طاغيةً عندما يتجاوز الحد أي عندما يتجاوز القانون لأنه يعتبر نفسه فوق منزلة البشر الذين يخضعون لهذا القانون.
وبما أن الله خلق البشر متساويين في المنزلة والكرامة (ولقد كرمنا بني آدم) فالشعب الذي يرتضي أن يكون حكامه فوق القانون لأنهم يعتبرون أنفسهم فوق منزلة البشر هو شعب ارتضى لنفسه أن يكون تحت منزلة البشر، أي تنازل عن الكرامة الإنسانية التي ميزه الله بها عن بقية المخلوقات وأصبح شعباً بلا كرامة.
والشعب الذي فقد كرامته سيفقد مع الوقت كل شيء، لأن العبد لا يكر ولا يفر لا في ساحة فكر وإبداع ولا في ساحة وغى وذود عن الوطن.
نعم نحن بحاجة إلى قائد حازم لكن الحزم غير الاستبداد، ومقولة: لا يصلح حالنا إلا عادل مستبد، مقولة فاسدة لأن العدل والاستبداد نقيضان لا يجتمعان.
ما يصلح حالنا هو دولة قانون يحكمها عادل حازم، حازم في تطبيق القانون، وعلى نفسه قبل الآخرين.


أن نستطيع تحييد تأثير مشاعرنا على أفكارنا وأقوالنا وأفعالنا فلا نبني أحكاماً أو أقوالاً أو أفعالاً على انفعال إيجابي أو سلبي وإنما على مصلحة لنا وللآخرين وصل إليها عقلنا بالتفكير الموضوعي،
هذا هو التحدي الذي ننجح فيه أحياناً ونفشل أحياناً لأننا بشر ولسنا حواسيب حيّة،
لكن برأيي نسبة نجاحنا في هذا التحدي هي التي تحدد نسبة نجاحنا في كل التحديات الأخرى التي تواجهنا في هذه الحياة


القلق كضرورة وصفة إنسانية!
(دع القلق وابدأ الحياة) مقولة مضلّلة برأيي! القلق جزء من الحياة،
قلق الإنسان وهو يقتحم المجهول، قلقه وهو يطرح الأسئلة ويبحث عن إجابات، قلقه وهو يختبر الأفكار التي تُلقى إليه كمسلمات، قلقه وهو يبحث عن الصواب ويسعى إلى تجنب الخطأ في تصوراته وتصرفاته،
كل ذلك في حركة لا تتوقف لأن توقفها يعني توقف الحياة ذاتها فالقلق صنو الحركة والإبداع والاكتشاف وعمارة الكون،
(الصراط المستقيم) ليس معطى جاهزاً يسبح من يمتلكه في العسل! بل طريق تخطه قدما الإنسان بالسعي المستمر، سعي يحتمل الخطأ والصواب وبالتالي يقتضي القلق اللازم لتجنب الخطأ وتحري الصواب، لذلك أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم كل يوم سبعة عشرة مرة على الأقل!


من يكتب عما يحدث في سورية وكأنه كارثة طبيعية بلغة حيادية يجهّل فيها الفاعل وهو عصابة الأسد، مبدياً أسفه وحزنه مقترحاً الحلول السطحية دون الإشارة إلى السبب الرئيسي وهو نظام الإجرام ظاناً أنه بذلك يدفع إلى الإصلاح دون أن يدفع الضريبة، إما لأنه مقيم في مناطق النظام أو لأنه مقيم في الخارج ومضطر للعودة إلى مناطق النظام من حين إلى آخر،
ما تكتبه ليس حكمة ولا ذكاء ولا يغير في قناعات من يقتل ويغتصب ويبيع البلد للأعداء،
ما تكتبه تدليس على حساب دماء مئات ألوف الشهداء،
ما تكتبه مساهمة في تبليد حسّ السوريين وزرع الفصام في شخصيتهم،
ما تكتبه تزويق لصنعة النفاق والسكوت على الظلم،
ما تكتبه تخدير للضمائر وتشويه لها،
ما تكتبه تشجيع للقاتل على القتل فلا شيء يشجع القاتل أكثر من الحديث عن القتيل دون الإشارة إليه
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فإن لم تستطع أن تقول لا إله إلا الله، لا تقل لا إله .. وتصمت! نصف الحقيقة باطل فإما أن تقولها كاملة أو الصمت أولى


يصطدم الحجر المتدحرج بكومة من الأحجار فيتوقف، ويصطدم بها تيار الماء فيلتف من حولها وفوقها وتحتها وبينها ويتابع التقدم.
في العلاقة مع الآخرين يتبع البعض أسلوب الحجر فإذا اصطدم بسلبيات الآخر أعرض عن التعامل معه كلياً، ويتبع البعض أسلوب الماء فيلتف على السلبيات ويستفيد من الإيجابيات حتى يصل إلى غايته من العلاقة.
مرونة الماء وقدرته على الالتفاف على المعيقات جعلته أساس الحياة في هذا الوجود (وجعلتا من الماء كل شيء حي).


مودة ورحمة
الأسرة هي المكان الذي تُنشّأ فيه الشخصيات السوية أو المريضة، ولئن كان إنجاز الإنسان الوحيد في هذه الحياة بناء أسرة سعيدة تخرج منها شخصيات سوية فلعمري إنه إنجاز عظيم، لأن هذه الشخصيات ستكون أقدر على بناء أسر سعيدة تخرج شخصيات سوية وهكذا في متوالية هندسية لا يتوقف خيرها ومدها للأمة بأسباب السعادة والنجاح إلى يوم الدين.
مفتاح الأسرة السعيدة في ديننا هو (المودة والرحمة) "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" الروم – 21.
المودة والرحمة أعمق وأشمل وأرسخ من (الحب)،
الحب ضروري لكنه لا يكفي، الحب قد يأتي من أول لقاء وهو لا يحتاج إلى جهد،
أما بناء المودة والرحمة فيأتي مع الأعوام ويحتاج إلى جهد من الطرفين.
الحب هو البذرة، والمودة والرحمة هي الشجرة الراسخة الوارفة التي يتفيأ الزوجان وأولادهما ظلالها فيما لو نالت البذرة حقها من الرعاية، وأهم أشكالها رعاية المشاعر وتجنب جرحها من الطرفين
الحب هو النبع المتفجر من باطن الأرض، والرحمة والمودة هي النهر العريض الذي يشق طريقه بهدوء ويروي بساتين الحياة على طرفيه، لكنه يحتاج إلى مجرى يشقه الزوجان معاً بالاحترام والتقبل والتسامح وتجاوز الأخطاء


سيظل الخوف والكذب والنفاق والظلم معشعشاً في خبايا نفوسنا وفي ثنايا حياتنا الاجتماعية والسياسية وستظل طاقات الأمة الفكرية والروحية الهائلة مجمدة مكبلة، ما لم نفك (السحر) عن السياسة ونخلع (الألوهية) عن الحكام ونعيدهم إلى منزلة البشر الذين يُسألون ويُحاسبون
ولن يتحقق ذلك ما لم يدرك أكثرية الناس في مجتمعاتنا دورهم وواجبهم في المشاركة السياسية وما لم يخرجوا من موقع المتفرج المنفعل إلى موقع الفاعل المؤثر
ولن يقوم الأكثرية بهذا الدور ما لم تولد كيانات سياسية تملك الرؤية والاستراتيجية ولديها القدرة على التجميع والتنظيم والتحشيد والتأثير مستفيدة من التطورات الهائلة في أدوات التواصل ونقل الأفكار وتنظيم الجهود
يحتاج كل ذلك إلى كثير من الجهد والإبداع والدأب على صعيد التنظير والعمل وستستغرق مجتمعاتنا في تقديري جيلين أو ثلاثة حتى تنضج تجربتها وتتمكن من أخذ أمرها بيدها وتتحرر من الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي
المسيرة بدات بعون الله ومساهمتنا فيها لن تتوقف حتى آخر نفس في صدورنا وستحقق الأجيال من بعدنا إرداة الله الذي خلق البشر ليعيشوا كراماً أحراراً لا عبيداً في مزارع الطواغيت


طفلة حلوة بريئة يرعاها والدان حنونان، شعرها اللامع ينساب على كتفيها كالحرير، خداها يضجان بحمرة الورد الجوري، عيناها الواسعتان تشعان بريقاً وأملاً، ابتسامتها العذبة لا تفارق ثغرها، نظيفة دائماً تفوح منها رائحة الياسمين، صاخبة حيثما حلت تملأ المكان جمالاً وفرحاً وحياة.
مات والداها، ودفعها حظها العاثر إلى ميتم بائس، وسلط عليها مشرفاً قاسياً لئيماً لا يحبها ولا يرحمها. لم يعد هناك من يعتني بشعرها اللامع الحريري فأصبح شعثاً مغبراً متلبداً فوق رأسها، لم يعد هناك من ينظفها ويعطرها فامتلأ جسدها بالبثور وفاحت منها رائحة كريهة، لم يعد هناك من يهتم بطعامها وشرابها فشحب وجهها وغارت عيناها. ولأنها ممنوعة من الكلام والحركة كما تشاء، ولأن الزجر والنهي والسب والشتم يلاحقها حيثما حلّت، فقد اختفت بسمتها وهدأت حركتها وانزوت في زاوية الميتم صامتة حزينة يائسة، ليس فيها من مظاهر الحياة إلا أنينها الخفيض في جوف الظلام.
يمن الله على الفتاة المظلومة بيدٍ حنون، تمسح عنها الدموع وتحمل إليها الثياب الجديدة والطعام الشهي، يدٍ تريد أن تأخذها بعيداً عن المشرف القاسي اللئيم لتمنحها فرصة الحياة من جديد. تنظر الفتاة الكسيرة إلى تلك اليد بشك وريبة، تهاجمها وتدفعها بعيداً، تتشبث بثيابها القديمة الوسخة وبمكانها الحقير. لكن اليد الحنون تصبر على الفتاة المعذّبة لأنها تدرك أن عُقَدَها كثيرة وجروحها عميقة وآلامها دفينة، وتدرك أن إيمانها بهذه الفتاة هو الذي سيخرجها من الظلام ويعيدها إلى النور والحياة مرة أخرى.
الفتاة المعذبة هي الشعب السوري، والمشرف اللئيم الذي سامها سوء العذاب لعشرات السنين هو العصابة الأسدية، واليد الحنون التي تريد أن تخرجها إلى النور هم طلاب الحرية والكرامة المؤمنون بهذا الشعب وإمكانياته، من تمتلئ قلوبهم حباً له واحتراماً لتضحياته برغم كل التشوهات التي أحدثتها فيه عقود القسوة والظلم والتوحش.


نكابر أحيانا وأحيانا نكتشف أننا نتنفس من جراحنا ونلملم شظايا أرواحنا حتى نجترح معجزة البقاء


الحزن بلا سبب هو مساحة فراغ وعدم تظهر فجأة وسط الروح، عدم مفزع لكنه يعمق أسئلة الوجود
السعادة الدائمة، إن وجدت، علامة على بلادة الروح


تنازلنا حتى لا يستبدلوننا بمن يتنازل أكثر!
يبرر بعض (السياسيين) التنازلات التي يقدمونها، بأن عدم تقديم التنازلات سيغضب هذه الدولة أو تلك، وعندها ستقوم باستبدالهم وتأتي بآخرين يقدمون تنازلات أكثر، أمام هذا التفكير الأعوج لا بد من توضيح النقاط التالية:
1- السياسي يتخذ قرار التنازل أو عدم التنازل بناء على المصلحة العامة، وبالتالي عليه أن يتمسك بقرار عدم التنازل إن كانت فيه مصلحة وإلا فهو يعمل ضد المصلحة التي اؤتمن عليها.
2- الأشخاص الذين تستطيع الدول استبدالهم للقيام بأدوار سياسية معينة ليسو سياسيين بل بيادق، السياسي الحقيقي لا يستطيع أحد أن يتجاوزه لأن خلفه جماهير يمثّلها سترفض إقصاءه، عندما يتخد السياسي قراره بناء على المصلحة العامة، ويتواصل مع من يمثلهم ويشرح لهم مبررات قراره، عندها سيقفون خلفه وستكون له حيثية سياسية لا يستطيع أحد تجاوزها واستبداله بشخص آخر.
3- الذين يذكرون هذا المبرر منفصلون عن الجماهير التي يزعمون تمثيلها ولا يستمدون شرعيتهم منها بل من الدول، ولو أنفقوا في التواصل مع الناس، ربع الوقت الذي ينفقونه في التواصل مع الدول، لما استطاع أحد أن يستبدلهم كما يستبدل ثيابه!


جدلية الشعبوية واحترام الرأي العام
لا يتخذ السياسي قراره بناء على رغبات الجماهير ومزاجهم العام. لأن الجماهير تعتمد على العاطفة أكثر من المنطق وتنقصها المعلومات التي يبني عليها السياسي قراره.
لا يعني ذلك أن يتجاهل السياسي الرأي العام ويستخف بمشاعر الجماهير بل يعني أن يشرح للناس مبررات قراراته بطريقة تناسب أفهامهم.
من الآخر، الغبي هو من يظن أن السوريين شعب غبي


فضيلة العزلة
يحقق الإنسان إنسانيته بقدر الخير الذي يحققه للآخرين، ولا يكتشف كيف يحقق هذا الخير ما لم يكتشف ذاته، ولا يكتشف ذاته إلا في فترات عزلة متكررة يقضيها مع نفسه متأملاً أفكاره ومشاعره ومراجعاً تجاربه وأثرها في نفسه والعالم.
العزلة تساعدنا على الانخراط في العالم لأن من لا يعرف كيف يواجه نفسه لن يعرف كيف يواجه العالم!


صفر مشاكل = صفر حياة
هذه المعادلة ليست من قفشات "التنمية البشرية" ولا عبارة إيحائية لرفع المعنويات، بل حقيقة فلسفية تخرجنا من وهم طلب الحياة المريحة التي لا مشاكل فيها، وتجعلنا نفهم الحياة (كما هي) فهماً يخلصنا من الكثير من المشاعر السلبية التي يخلّفها ذاك الوهم.
خلق الله العقل للتفكير كما خلق الرجلين للمشي والعينين للنظر، وحال من توضع القيود في رجليه أو (الطميشة) على عينيه فلا يجد لرجليه أو لعينيه عملاً هو حال من لا يجد لعقله مشكلة يفكر بحلها! المشاكل هي التي تحفز العقل للبحث عن حلول، ولولاها لأصبحت الحياة صحراء قاحلة من الملل.
(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)، كدح العقل في البحث عن حلول ليس ابتلاء عابراً يرجو المرء الخلاص منه بل هو مادة الحياة وجوهرها ومساحة إظهار تميز الروح التي نفخها الله فيه.


(ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) حديث شريف
أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع (الصرعة) صورة الغاضب الذي يعبر عن غضبه بالضرب، لكنها صورة واحدة من عشرات الصور التي يتضمنها معنى الحديث والتي نصادفها يومياً في علاقاتنا البينية وتفسر كثيراً من حالات الفشل في التواصل والعمل الجماعي.
من صور الصرعة الشائعة الانفعال في التعامل مع الرأي الآخر إما بالانسحاب مباشرة ورفض الحديث معه لأنه قال رأياً لا نوافق عليه، أو بالهجوم عليه والحكم المسبق على نيته بدلاً من السماع له وفهم وجهة نظره وإقامة حوار معه.


نشأنا على مقولة (يهمنا الزرع والحصاد على رب العالمين) وهي ليست دقيقة بالمجمل،
بل يهمنا الحصاد أيضاً وإذا لم يؤت الزرع أكله يهمنا أن نفكر أين أخطأنا في نوع التربة والسماد والبذار وفي توقيت الزراعة وكيفية السقاية ورعاية المحصول وحمايته من الأمراض وعوامل الطقس والحشرات والحيوانات،
لا يكفي أن نقوم بما نعتقد أنه (واجب) بل يجب أن نحقق أهدافاً من القيام بهذا الواجب
أهدافاً تجعلنا أكثر قوة وفاعلية وقدرة على دفع الظلم عن أنفسنا وعلى تحسين ظروف حياتنا أفراداً ومؤسساتٍ ومجتمعاً، وعدم قدرتنا على تحقيق هذه الأهداف يجب أن يدفعنا إلى مراجعة أفكارنا ووسائلنا وتطويرها حتى تمكننا من تحقيق أهدافنا
الاكتفاء بالقول (علينا القيام بالواجب ولا تهمنا النتائج) وإلقاء اللوم على الآخرين في عدم وصولنا إلى نتائج يحرمنا فرص تطوير أفكارنا وأنفسنا ويجعلنا نلعب دور الضحية دوماً،
ذلك الدور الذي يحولنا إلى ضحايا فعلاً لكن بإرادتنا واختيارنا وليس بسبب الآخرين


(وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) مريم 95
سيسألنا الله اليوم القيامة فرادى عن قناعاتنا وليس عن قناعات الآخرين، الله الذي أعطانا عقولاً وجعلها مناط التكليف سيحاسبنا يوم القيامة كيف استخدمنا هذه العقول.
قبولي بأي مقولة دينية يعتمد على اقتناعي بالدليل الشرعي الذي بنيت عليه وبصحة الاستدلال.
لا تقل لي: لست مختصاً ليحق لك أن تسأل عن الدليل ووجه الاستدلال، فالمسألة هنا ليست قناعة طبية لا يستوعبها إلا الأطباء وإنما قناعة دينية سأحاسب أمام الله عليها وحاشا لله أن يحاسبني على قناعاتي إذا لم يعطني القدرة على التفكير المنطقي اللازم لتشكيل القناعات!


عندما كنا في حظيرة الأسد كان أي جهاز أمني يستطيع اعتقال أي واحد منا وإخفاءه من الوجود دون أن يستطيع أحد مساءلته. وجود الإنسان في بيئة يمكن للنظام الحاكم فيها في أي لحظة أن ينهى حرية هذا الإنسان أو حياته يوجه له الرسالة التالية: أنت لا قيمة لك! وعندما يتلقى الناس هذه الرسالة باستمرار على مدى عقود من الزمن ينعدم تقديرهم لذواتهم حتى لو لم يتعرض لهم أحد بسوء.
تقدير الذات هو شعور الإنسان أن له قيمة وكرامة وهو الذي يجعل الإنسان يعبر عن رأيه بشجاعة في مواطن الخلاف ويحترم رأي الآخرين في الوقت نفسه، لأن الذي يقدر إنسانيته يقدر إنسانية الآخرين أيضاً.
عندما يفقد الإنسان تقديره لذاته لا يستطيع أن يمارس الخلاف البناء الذي يحتاج إلى الشجاعة في إبداء الرأي وإلى احترام الآخرين في الوقت نفسه، فتراه إما متعالياً على من هو أضعف منه أو منافقاً لمن هو أقوى منه، وهذا من أهم أسباب الفشل في العمل الجماعي.
إن تقدير الذات ليس معرفة يكتسبها الإنسان بقراءة الكتب وحضور المحاضرات والدورات بل هو مركّب شعوري سلوكي ينشأ في النفس نتيجة معاملة هذا الإنسان باحترام، لذلك كان أثر آلاف الدورات التي حضرها السوريون عن عمل الفريق في السنوات العشر الماضية ضعيفاً لأنه لم يواكبها بناء بيئات سليمة يُعامل فيها السوريون باحترام.
توفير البيئة السليمة التي نعامل فيها بعضنا البعض باحترام في الأسرة والمدرسة والمؤسسة والمسجد وفي كل مكان نتفاعل فيه مع بعضنا البعض هو الذي سيبني تقدير الذات عندنا كسوريين ويسرّع تعافينا من التدمير الممنهج للشخصية السورية الذي عانينا منه عقوداً طويلة، وعندها يمكننا أن نتصرف بشكل بناء في مواطن الخلاف وسينعكس ذلك نجاحاً في أعمالنا الجماعية


حتى لا يصيبنا الإحباط من تأخر بناء السفينة!
نحن السوريون لا نبني سفينة على الشاطئ لننزل بها إلى المحيط
نحن في وسط المحيط الهائج نصارع الغرق بيد ونبني سفينة النجاة بيد أخرى
بقاؤنا على السطح في مثل هذه الظروف هو إنجاز بحد ذاته


الزمن النفسي غير الزمن الفيزيائي، لذلك الساعة ذاتها نشعر أنها طويلة عندما نكون في وضع انتظار أو في حالة حزن وضيق، ونشعر أنها قصيرة أو لا نشعر بمرورها أبداً عندما نكون في وضع انشغال أو في حالة حماس وسرور.
الزمن النفسي لا رأس ولا ذيل للأعوام فيه ولا وجود لفواصل مصطنعة تجعلنا نأسف على عام مضى أو نترقب ما سيحمله عام آت ولا وجود فيه لاحتفالات إجبارية تجارية تفرض علينا من الخارج. الزمن النفسي زمن حر منساب متجدد نحن من نصنع البدايات فيه عندما نحتاج إلى بداية جديدة، ونحن من نعلن النهايات فيه عندما نقرر إنهاء أمر ما، ونحن من نحدد فيه متى نحتفل وكيف ولماذا، ونستطيع أن نفعل ذلك كل لحظة وليس في لحظة واحدة كل عام!

Share