cover

الثورة السورية سنيّة أم درزية؟!

في عام 2012 ذهبت مع اثنين من الأمانة العامة لإعلان دمشق في مهمة سرية إلى السويداء للتواصل مع الناشطين هناك ومعاينة واقع المحافظة وطبيعة الحراك الثوري فيها. أقمنا في المحافظة يومين بضيافة أحد الإخوة الدروز ولا أنسى مشاعر الود والحفاوة التي أحاطت بنا سواء من قبل مضيفنا وزوجته التي أعدت لنا فطائر شهية في الصباح لا أزال أذكر رائحتها إلى اليوم أو من قبل النشطاء الذين التقينا بهم.

فهمنا من اللقاءات التي قمنا بها أن مجتمع السويداء منقسم إلى ثلاثة أقسام بالتساوي تقريباً: ثلث مع النظام ومعظم هؤلاء من الموظفين في الأمن والجيش وغيرها من مؤسسات الدولة، وثلث مع الثورة وصحيح أن هؤلاء لم يكن لديهم نشاطات ثورية بارزة كما هو الحال في بقية المحافظات بسبب البيئة الصعبة المحيطة بهم لكنهم لعبوا دوراً كبيراً في إيواء المهجرين الذين نزحوا إلى السويداء من ريف دمشق وغيرها من المحافظات التي كانت تتعرض لبطش النظام في ذلك الوقت، بل قاموا بإخفاء بعض المطلوبين وأهاليهم وكلنا يعلم خطورة هذا الأمر. الثلث الثالث من أهل السويداء أخذوا موقفاً محايداً لأنهم لم يريدوا أن تدخل السويداء في صراع داخلي ومعظمهم ليسوا مع النظام.

لماذا هذه المقدمة؟ لأني أرى من التبسيط القول بأن الدروز كانوا مع النظام، الدروز كانوا منقسمين وبالنسب التي ذكرتها تقريباً، السنة أيضاً كانوا منقسمين وفيهم الشبيحة والحياديون ولو وقفوا كلهم مع الثورة لانتهى النظام منذ عام الثورة الأول.

منذ أكثر من أسبوع وعلى نحو غير متوقع اشتعلت الاحتجاجات في السويداء وانقلبت بسرعة من مظاهرات مطلبية إلى مظاهرات تنادي بإسقاط النظام ورحيل بشار وتطبيق القرارات الدولية التي تقضي بانتقال سياسي بل رفع المتظاهرون علم الثورة السورية وأخذوا يرددون هتافاتها وأهازيجها.

التقط الشارع الثوري هذه اللحظة التاريخية وانطلقت في الشمال السوري مظاهرات واسعة  تؤيد حراك السويداء، كانت المظاهرات لافتة باتساعها وشمولها لكل الشمال من رأس العين إلى جسر الشغور، وأهم ما فيها أنها لم تكن بتوجيه فوقي من أطراف سياسية بل كانت تعبيراً عن مزاج ثوري عام أيد حراك السويداء لأنه رأى فيه فرصة لإعادة روح الثورة ولإبطال سردية النظام التي تتهم الثورة بالطائفية والتي يدعي فيها النظام أنه حامي الأقليات في وجه الأكثرية.

بعض أهل الثورة تحفظوا على موجة التأييد الواسعة من قبل الثوار لحراك السويداء، إما خوفاً على الثورة من أن تُختطف من قبل (الثوار الجدد) أو لأنهم شعروا أن هذا التأييد فيه إجحاف بحق (الأكثرية السنية) التي دفعت الثمن الأكبر في الثورة السورية وقدمت من التضحيات ما لم تقدمه أي فئة أخرى من السوريين. وهنا أريد أن أوضح نقطتين:

أولاً، الثورة كمبادئ وقيم تنادي بالتخلص من الاستبداد وإقامة دولة الحق والعدل والقانون أفق مفتوح يدخله من يشاء من السوريين ولا نستطيع أن نغلقه في وجه أحد. أي سوري مهما كان انتماؤه يختار أن يترك حالة الصمت والخنوع وينزل إلى الشارع ويهتف بإسقاط النظام هو دليل جديد على أحقية ثورتنا ومسمار جديد يدق في نعش النظام، وبرأيي علينا نحن الثوار أن نرحب بهذا السوري ونشجعه ليستمر في احتجاجه ولينضم إليه مزيد من السوريين، أما إذا قلنا له: أنت لم تخرج في البداية وأين كنت عندما كنا نضحي؟ فهذا لن يشجعه على الاستمرار ولن يشجع غيره على الانضمام إليه، طبعاً يُستثنى من هذا الترحيب من ثبت أنه ارتكب جرماً.

ثانياً، تشجيع الدروز الذين ثاروا على النظام، لا يعني إغفال تضحيات السنة الذين كانوا الحامل الأكبر لهذه الثورة وهم الذين دفعوا الثمن الأكبر من شهداء ومعتقلين ومهجرين ومدن وبلدات مدمرة، لكن لكل مقال مقام ولا يعقل في معرض تشجيع أهل السويداء على ثورتهم أن نقول لهم: انتبهوا نحن ضحينا أكثر منكم!

وأخيراً حمل السنة العبء الأكبر في هذه الثورة ودفعوا الثمن الأكبر لكنهم لم يفعلوا ذلك من أجل أنفسهم فقط وإنما من أجل كل السوريين، وإذا أرادوا فعلاً أن يتجاوزوا حالة التهميش التي تعرضوا لها طوال العقود الستة الماضية وأن يكون لهم في سورية الجديدة دورهم الذي يتناسب مع حجمهم ومكانتهم في النسيج السوري فعليهم أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية وأن ينظموا أنفسهم سياسياً وأن يفكروا كرجال دولة وألا يتصرفوا بوصفهم طائفة مظلومة تسعى إلى الانتقام وتهميش الآخرين وإنما بوصفهم الحامل الأساسي لأي مشروع وطني  مستدام قادر على استعادة سورية كياناً سياسياً واحداً معافى ومقتدر.

Share