cover

السوريون والخروج من (المصيدة)

تشبيه الوضع الحالي للسوريين كمن وقع في مصيدة يحكي الكثير عن واقعهم. فالثورة التي بدأت هبة شعبية لإنهاء استبداد عائلة الأسد انتهت إلى بلاد ممزقة إلى أربع مناطق تحكمها قوى أمر واقع سورية وأجنبية، وتشابكت مصالح هذه القوى بطريقة تؤدي إلى تكريس الوضع الحالي وتعيق أي محاولة لتغييره، ولم يتمكن السوريون حتى الآن من إنتاج مرجعية وطنية تحظى بمشروعية داخلية وشرعية خارجية تقود عملية الانتقال السياسي وتحرير البلاد من القوى الأجنبية وبناء سورية الجديدة.

في الطب نقول التشخيص الصحيح هو أول خطوة للعلاج الصحيح، لكن مثال التشخيص الصحيح لا ينطبق على السياسة وخصوصاً في الحالة السورية  لأنه في الطب يوجد اتفاق على تعريف الجسم السليم وهذا يسهل الاتفاق على التشخيص وبالتالي على العلاج الذي هدفه عودة وظائف الجسم إلى الوضع (السليم)، في الحالة السورية هناك خلاف حول تعريف الجسم السليم فالدولة التي يريدها نظام بشار غير الدولة التي تريدها الإدارة الذاتية غير الدولة التي يريدها الجولاني غير الدولة التي تريدها تركيا التي تتبع لها فصائل الشمال.

لذلك نحن بحاجة إلى خطوة تسبق التشخيص وهي التوافق حول تعريف الجسم السليم أو سورية التي نريد ورغم أن هناك الكثير من الأدبيات حول شكل سورية القادمة موجودة في وثائق الكيانات السياسية السورية القديمة منها والناشئة وتتحدث حولها الشخصيات السورية الوطنية في مقالاتها وكتبها ومحاضراتها ومداخلاتها الاعلامية وهي أدبيات تتقاطع في 90% من أفكارها، إلا أن هذا الاتفاق حول (سورية التي نريد) لا يأخذ شكلاً رسمياً ولا يتحول المتفقون عليه إلى مرجعية وطنية ما لم يعقد مؤتمر وطني يضم ممثلين من كل الأطياف السورية ليقر وثيقة وطنية وينتخب جسماً تنفيذياً يكون هو المرجعية التي تقود عملية الانتقال السياسي.

ولكن أليست فكرة المؤتمر الوطني فكرة محروقة مكرّرة مجرّبة أثبتت فشلها وملّ السوريون من طرحها؟ لا أعتقد ذلك. فحسب علمي لم تتم حتى الآن أي محاولة لعقد مؤتمر وطني جامع يؤسس لسورية الجديدة،  نعم جرت العديد من محاولات تجميع السوريين في مؤتمرات جزئية وتكتلات وتحالفات سواء في الداخل أو الخارج، وهي محاولات برأيي كانت تعاني من واحدة فأكثر من المشاكل التالية:

  1. متسرعة تعتقد أن جمع المئات في مكان واحد أو غرفة تواصل اجتماعي واحدة تكفي لانتاج جسم وطني دون أن يسبق ذلك فترة كافية تحقق التعارف بين المجتمعين وبناء الثقة بينهم.
  2. جزئية لا تشمل  ممثلين من كل المكونات والتوجهات والمحافظات ومن داخل سورية وخارجها.
  3. لا تخطط للـ (اليوم التالي) لعقد المؤتمر فليس الهدف إخراج أوراق فقط وإنما بناء جسم فعال ينتج فريقاً تنفيذياً  يتصف بالكفاءة ويتفرغ للعمل السياسي على مدار 24 ساعة ويتم تأمين الموارد المالية اللازمة لذلك، كل هذا يجب  تحضيره قبل المؤتمر بحيث يكون المؤتمر مناسبة لإعلان وانطلاق ما تم تحضيره وليس للبدء بالتحضير.
  4. تطرح أفكاراً عامة ولا تقدم مبادرات عملية تفصيلية للتحديات الكبرى التي تواجه السوريين، مثلاً، مبادرة لإخراج العملية السياسية من الجمود الحالي وتعطيل النظام، مبادرة لإدارة رشيدة في الشمال السوري وتنظيم العلاقة مع تركيا، وهكذا ..
  5. لا تتمتع بالشرعية الخارجية، مع أن الشرعية الخارجية تأتي بعد إثبات المشروعية الداخلية إلا أنه لا بد من إحاطة الدول المعنية بالملف السوري بهكذا مؤتمر وتوجيه رسائل لها بأن هذا المؤتمر سيضمن وحدة سورية وسيرسم مساراً لحل القضية السورية يضمن مصالحها وأن ترك هذه القضية من دول حل سينفجر في وجه الجميع ويضر بمصالحهم.

وماذا نفعل بالمؤتمرات ومحاولات التجميع السابقة؟ هذه كلها تجارب للدراسة والاستفادة ويجب البناء على ما هو موجود منها ومن المناسب أن يسبق هذا المؤتمر الوطني مؤتمرات جزئية تمهيدية في المناطق التي يملك فيها السوريون حرية العمل والتنظيم كالشمال الخاضع للنفوذ التركي وبلاد المهجر، وهنا يمكن أن تلعب الكيانات السياسية القديمة والناشئة دوراً مهماً في التحضير لهكذا مؤتمر بشرط أن تشتغل هذه الكيانات السياسية على نفسها بحيث يكون لها امتداد شعبي حقيقي وبنية تنظيمية مؤسساتية تضمن لها الفعالية والاستمرار وبشرط أن تبتعد هذه الكيانات عن الاعلام والاستعراض والدعاية المبكرة قبل أن تنضج الأمور ويحين دور التحشيد للمؤتمر وتعريف السوريين به.

ختاماً، لا بد من استمرار محاولة الخروج من الوضع الحالي كرمى للملايين الذين استشهدوا واعتقلوا وهجروا من أجل سورية الحرة الكريمة، وانسجاماً مع اعتقادنا بأن الإنسان السوري يستحق الحرية والكرامة ولا يجوز ان يُترك نهباً لقوى الأمر الواقع التي تتقاسم الجغرافيا السورية. 

Share