cover

الحب .. إكسير النجاح

تدخل إلى أحد المتاجر فيرحب بك البائع  ويعرض عليك خدماته مبتسماً ويتفانى في خدمتك وتلبية حاجاتك، وتدخل إلى متجر آخر فيقابلك بائع متجهم يشعرك وأنت تسأله عن بضاعة معينة وكأنك ترتكب ذنباً! تذهب إلى مؤسسة حكومية فيقبل عليك الموظف بكليَّته ويجيب على أسئلتك بكل ترحيب، وتذهب إلى مؤسسة أخرى لتجد الموظف منشغلاً عنك بالحديث إلى زميله وبعد دقائق من الانتظار يلتف إليك منزعجاً لأنك قاطعت حديثه الحميم.. عندما تراقب شخصاً في عمله، سواء كان عامل نظافة أو طبيباً أو مدرساً أو سائق سيارة أجرة تستطيع بسهولة أن تفرق بين نوعين من الناس: أناس يحبون العمل الذين يقومون به، وأناس لا يحبون العمل الذي يقومون به. يتميز الناس الذين يحبون أعمالهم بميزتين؟ أولاً، هم يشعرون بالسعادة في عملهم وتنعكس هذه السعادة على حياتهم كلها حتى خارج أوقات العمل، ثانياً، هم يبدعون في العمل الذي يقومون به ويتقنونه ويتميزون فيه وبالتالي يتفوقون على غيرهم ويحققون عائداً مادياً أعلى من العائد المادي الذي يحققه أقرانهم في المهنة

ألا يدفعنا ذلك إلى أن نسال أنفسنا السؤال التالي: هل نحب عملنا؟ و إذا كان الجواب لا، كيف نحب عملنا؟ إن حب العمل يتناسب طرداً مع مدى تحقيق الإنسان لذاته من خلال عمله، لذلك أول شرط لحب العمل هو أن يكتشف الإنسان ذاته أولاً، وبالتحديد أن يكتشف المواهب التي أعطاه الله إياها وأن يضع هذه المواهب في خدمة حاجة إنسانية موجودة في المجتمع الذي يعيش فيه. إن التقاء الموهبة بتلبية حاجة إنسانية هو الذي يفجر في الإنسان الحماس للعمل الذي يقوم به فالذي يتمتع بموهبة التدريس سيحقق ذاته إذا عمل مدرساً أكثر مما لو عمل بائعاً، والذي يتمتع بموهبة الرسم والتصميم سيحقق ذاته إذا عمل مهندساً أكثر مما لو عمل مندوب مبيعات ، والذي يتمتع بموهبة المحاججة المنطقية وعرض الأدلة والبراهين  سيحقق ذاته إذا عمل محامياً أكثر مما لو عمل محاسباًُ وهكذا... ويظل السؤال: ماذا لو أن الظروف اضطرت الإنسان إلى القيام بعمل غير العمل الذي يتمنى القيام به، هناك شقان في الإجابة على هذا السؤال، أولاً إن الإنسان الذي يحب عمله إلى درجة العشق هو الذي يصنع الظروف التي توفر له شروط النجاح في هذا العمل وليس العكس، أعرف شخصاً يشتكي دائماً من قلة الحال ومن اضطراره إلى القيام بأعمال بعيدة عن مجال اختصاصه من أجل كسب الرزق، هذا الشخص اختار مجال اختصاصه في الجامعة بسبب مجموعه في البكالوريا وليس لأنه يحب هذا الاختصاص، بالمقابل أعرف شخصاً درس اللغة العربية عن حب واقتناع وهو يحب مهنة التدريس إلى العظم ويعمل مدرساً للغة العربية  وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه ناجح جداً في عمله  ويحقق عائداً مادياً يفوق ما يحققه كبار الأساتذة في مجال اختصاصه.. الشق الثاني من الجواب، هو أننا عندما نضطر إلى القيام بأعمال نعتقد أنها لا تناسبنا كثيراً فهذا لا يعني أننا لا نستطيع إيجاد طرق كثيرة تحببنا بما نقوم به من عمل. أعرف شخصاً توفي والده وكان يملك محلاً تجارياً فاضطر إلى العمل مكان والده لأن والدته كانت ترغب في ذلك وقد ذكر لي كيف أنه كان لا يحب أن يعمل بائعاً  وكان يشعر بالانقباض كلما اتجه إلى محل والده، لكن حبه لوالدته و شعوره بسعادتها بما كان يقوم به دفعه إلى حب العمل في محل أبيه وقد ذكر لي كيف أصبحت ساعات عمله في هذا المحل مصدر سعادة ومتعة له، أي أنه أحب عمله من خلال حبه لوالدته. نعم هناك طرق كثيرة تحببنا بما نقوم به من عمل؛ يمكننا أن نحب عملنا من خلال حبنا لله تعالى الذي أمرنا بالعمل والسعي والجد في هذه الحياة، يمكنا أن نحب عملنا من خلال حبنا لأوطاننا التي لا يبنيها إلا العمل الجاد المخلص، يمكننا أن نحب عملنا من خلال حبنا للأشخاص الذين نعمل معهم ولما يوفره لنا  هذا العمل من فرصة للتواصل الإنساني مع الآخرين، يمكننا أن نحب عملنا من خلال حبنا للناس الذين نلبي حاجاتهم ونخدمهم بهذا العمل، يمكننا أن نحب عملنا من خلال حبنا لأولادنا وأزواجنا والأشخاص الذين نكسب الرزق من أجلهم، يمكننا أن نحب عملنا من خلال إتقاننا لهذا العمل (مهما كان بسيطاً) فيصبح هذا العمل مصدراً لشعورنا بالفخر والرضا عن أنفسنا، يمكننا أن نحب عملنا من خلال كل هذه الأمور معاً ... نعم نستطيع  أن نحب عملنا، نستطيع أن نبحث دائماً عن إطار حب نؤطر به ما نقوم به من أعمال فالعمل بحب هو سر السعادة والتفوق ولا يوجد بديل آخر

2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share