خواطر 2015-2
هناك سياسات دول وهناك قوانين ربانية. سياسات الدول إذا لم تنسجم مع القوانين الربانية تنتهي بالفشل. من القوانين الربانية أن السعي إلى سحق إرادة الشعوب لا ينتج أماناً واستقراراً بل أوضاعاً محتقنة وانفجارات متلاحقة لا ينجو من شرها أحد بمن فيهم المعتدي نفسه. العقل يقتضي اتباع القوانين التي تصنع الأمان والاستقرار، لكن الإنسان لا يتبع منطق العقل دوماً ليس لغبائه وإنما لسيطرة الشهوات على تصرفاته وأولها شهوة الظلم والعلو في الأرض (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) النمل 14، لذلك لا يتعلم الطغاة والمستعمرون من دروس التاريخ ويعيدون الأخطاء نفسها، القوة وحدها بجميع أشكالها المادية والمعنوية هي ما يمكن أن يردع هؤلاء. تُخرج الشعوب مكامن قوتها التي تحميها وتحقق مصلحتها بمقدار ما تشعر بكرامتها بعيداً عن نير الطغاة، لا قوة بدون حرية وكرامة، ولا أمان واستقرار بدون قوة تردع البغاة الظالمين داخليين كانوا أم خارجيين
أبو محمد رجل بسيط لم يتخرج من أكاديمية للقيادة لكنه مارسها بفطرته السليمة عندما كان يجالس عماله ويشرب معهم الشاي وينصت إليهم دون أن يخل ذلك بحزمه معهم عند الضرورة. تعرض معمل أبو محمد لضائقة مالية فخيّر عماله بين الترك أو تخفيض ساعات العمل فاختاروا البقاء معه لأنهم يحبونه ويثقون به. يتحمل الناس تخفيض رواتبهم أكثر بكثير مما يتحملون تخفيض احترامهم. ليس شرطاً أن يأخذ تخفيض الاحترام شكلاً فجاً واضحاً كالضرب أو الشتم، غمط الحقوق والتمييز في المعاملة وتجاهل آراء الآخرين وحاجاتهم كلها أشكال ناعمة خفية من تخفيض الاحترام وامتهان الكرامة تسبب عند من يتعرض لها وجعاً روحياً مزمناً يعبر عن نفسه على شكل ضعف في الولاء وانخفاض في الأداء احترام الآخرين يقع في جوهر القيادة الفعالة وهو لا يتنافى مع الحزم والهيبة، بل إن حزماً لا يخالطه الاحترام ما هو إلا استبداد يهش له الآخرون بوجوههم وتلعنه قلوبهم
حلة البحث عن الصواب مغامرة يصاحبها انخفاض في مشاعر الأمان، في العمل الجماعي يختلف أفراد الفريق في تحديد الصواب أحياناً، وهو أمر طبيعي بل غيابه حالة مرضية! تزداد فرصة الفريق في ابتكار (الصواب الجماعي) الناجم عن النظر إلى الموضوع من عدة زوايا وعن استعراض أكبر قدر ممكن من الخيارات وعن تلاقح الأفكار وما ينجم عنه من ولادة أفكار جديدة، كلما ازداد استعدادهم النفسي لمغادرة (الصواب الفردي) أي وجهة النظر الأولية المتشكلة في عقل الفرد قبل طرح الموضوع للنقاش، ولو مؤقتاً، والبحث مع الآخرين عن الصواب الجماعي. ولأن الإنسان يحتاج إلى حد أدنى من الشعور بالأمان ليشعر بالتوازن النفسي، فإنه لا يقدم على هذه المغامرة ما لم يكن لديه مصدر آخر للشعور بالأمان غير (كونه على صواب)، المصدر الآخر يأتي من أمور عديدة: معرفة الذات، وضوح الهدف، الانضباط، المعرفة بالموضوع قيد البحث، القدرة على تجاوز هوى النفس المبعد عن الإنصاف والتواضع، وغيرها من الانتصارات الشخصية أي المرتبطة بالعلاقة مع الذات. الانتصار الشخصي مرحلة لا بد منها لتحقيق الانتصار الجماعي
إخلاصهم يحتاج إلى علمك لا إلى تعاليك، هؤلاء الذين يحملون الروح على الكف يحتاجون إلى نصيحة محب لا ازدراء متعالٍ، لولاهم لظللتَ في بطن الحوت إلى يوم يبعثون
اللوم ثقب أسود يمتص طاقات الإنسان ويحد من فرصه ويحجم قدرته على التأثير. أنا المسؤول عن نتائج علاقاتي مع الآخرين، أنا المسؤول عن اختيار من أتعامل معه ابتداءً، أنا المسؤول عن إقناعهم، أنا المسؤول عن تحفيزهم، أنا المسؤول عن الوصول إلى ما أريد إليه من خلالهم، فإن لم أصل إلى النتائج التي أريدها فعليّ أن أطور قدرتي على الاختيار والإقناع والتحفيز. لا يعني ذلك إعفاء الآخرين من مسؤوليتهم الإدارية إن قصروا في مهامهم، أو مسؤوليتهم الأخلاقية أو الشرعية أو القانونية إن ارتكبوا أخطاءً، لكنه يعني أنني لن أتخذ من تقصيرهم وأخطائهم شماعة أعلق عليها فشل علاقتي بهم، بل فرصة لأتعلم وأنمو وأطور قدرتي على التعامل مع نقاط ضعف الآخرين، اللوم ضعف وقيد وضمور، والمسؤولية قوة وحرية ونمو
ومَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (الأنبياء 16-18) نعم الحياة مدافعة بين الحق والباطل، مدافعة لا تنتهي إلى قيام الساعة، مدافعة بشتى الأشكال المادية والمعنوية، مدافعة لا تنتهي بانتصار في معركة ولا بسقوط نظام ولا حتى بقيام الدولة التي نحلم بها، لأن الباطل لن يتركنا وشأننا لا قبل التمكين ولا أثناءه ولا بعده الحياة مدافعة تولّد في الأفراد والمجتمعات حركةً تنفث عن الإنسان خَبث الضعف والاستكانة وتمضي به إلى الأعالي، مدافعة توتِّر الأرواح والعقول والقلوب فتتوهج ارتقاءً وإبداعاً وحماساً كثير من المشاعر السلبية التي نعيشها اليوم سببها أن هناك من ربّانا أن الحياة سكون واستكانة، وأن كل شيء مرتّب من قبل أعدائنا الأقوياء وما علينا إلا الاستسلام فاستسلمنا طمعاً في النجاة فما نجونا، انتصرت حقيقة الحياة على الوهم الذين رُبّينا عليه
تنمو قدرتنا على استخراج كوامن الخير في نفوسنا، فتنمو معها قدرتنا على استخراج كوامن الخير في نفوس الآخرين. عندما نتعهد تلك البذور في داخلنا بما تستحقه من إيمان ورعاية وانضباط فتثمر سنابل يشتد عودها، يزداد إيماننا بوجود بذور مثلها في نفوس الآخرين تحمل الكثير من الإمكانات وتستحق ذات الرعاية والاهتمام. من لم ينتصر في معركته الداخلية تلك، لا يمكن أن يكون إلا مبشراً بالهزائم
ما أبقى الحق صاحباً لعمر) .. يقولها كل منفّر!!أخي الحبيب، ما أبقى له صاحباً من أهل الباطل، أما مع المؤمنين فكان قائداً التفّوا حوله وليس رجلاً يمشي بلا أصحاب. إنها القيادة والتأثير بالطريقة القرآنية النبوية (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران 159عزم وحزم، نعم، لكن لا مكان لفظاظة القول، ولا غلاظة الأسلوب، فالكرامات مصونة، والتقليل من شأن الآخرين والسخرية منهم ممنوعة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ) الحجرات 11، والحب الدافع للعفو والمغفرة هو الذي يغلّف الموقف من الآخرين لا شهوة (الأستذة) والتميز وتصيد الأخطاء ما أحوج علاقاتنا إلى هذه المعاني وفي هذه الظروف بالذات
منذ صرخة الحرية اﻷولى مات العبد في نفوس الكثيرين منا، غير أن الحر لم يولد إلا في نفوس البعض
تصرفات بسيطة يؤدي تراكمها إلى رفع حساب البنك العاطفي مع الآخرين، بدءاً من الابتسامة إلى السلام إلى النصيحة إلى المعونة إلى الهدية وغيرها مما يحضنا الإسلام على القيام به تصرفات بسيطة أيضاً يؤدي تراكمها إلى خفض حساب البنك العاطفي مع الآخرين، بدءاً بفظاظة القول إلى السخرية إلى النجوى إلى منع الماعون إلى الشتيمة وغيرها مما ينهانا الإسلام عن القيام به ما هو حساب البنك العاطفي؟ حساب البنك العاطفي في علاقتنا مع الآخرين يقيس قوة العلاقة ومقدار الثقة والمحبة والقدرة على التأثير، ترفع هذا الحساب تصرفاتٌ معينة تسمى الادخارات وتخفضه تصرفاتٌ أخرى تسمى السحوبات، وفي ديننا كما ذكرت ما يحضنا على الإدخارات وينهانا عن السحوبات يحدث أن الأب أو الأستاذ يتخذ موقفاً تربوياً فيه إزعاج للابن أو الطالب، أو أن المدير يتخذ موقفاً لمصلحة العمل فيه إزعاج للموظف أي فيه (سحب) فيتقبل الابن أو الطالب أو الموظف الأمر وتظل الثقة والمحبة قائمة وكذلك القدرة على التأثير، لأن صاحب الموقف استثمر كثيراً في بناء العلاقة وملأ حساب البنك العاطفي بكثير من الادخارات فلما حصل السحب ظل الحساب إيجابياً أحياناً يؤدي الموقف ذاته إلى النفور والكره وانهيار الثقة والعلاقة وفقد القدرة على التأثير، وكم سمعنا عن ابن (حرد) من المنزل بسبب خلاف مع أبيه أو موظف ترك العمل بسبب مديره. الأب أو الأستاذ أو المدير هنا لم يفعل شيئاً لملء الحساب العاطفي فلما حصل السحب أصبح الحساب سلبياً وانهارت العلاقة لهذا نحن نتقبل الكلام من بعض الناس ولا نتقبل الكلام ذاته من آخرين وبالعامية نقول (فلان بيمون) أي أن حساب البنك العاطفي معه مرتفع الإنسان ليس جهاز كمبيوتر يعالج المعلومة بنفس الطريقة كيفما جاءته، بل هو كتلة من المشاعر التي تؤثر في تقبله للمعلومة وتعامله معها، الأسلوب وقوة العلاقة هنا لا يقلان أهمية عن المعلومة ذاتها حساب البنك العاطفي مفهوم هام من مفاهيم القيادة والتأثير في الآخرين
لكل شعب سلبياته وإيجابياته يتصف السوريون عموماً بإيجابيات أهمها: الصبر والجد في العمل والقدرة على التكيف مع الظروف الصعبة وعزة النفس والإبداع والمرونة وبسلبيات أهمها: التقلب وتجنب المواجهة والفردية والمناطقية وعدم القدرة على التعامل مع المختلف والمبالغة في الإعجاب أو العداوة، وهي تشوهات تنمو في أجواء الاستبداد وتنكمش في أجواء الحرية وإصلاحها يحتاج إلى وقت الصفات تتغير، إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم (حديث شريف وتبشير الناس بأن عيوبهم الثقافية كالتشوهات الوراثية لا خلاص منها لا يجوز، من قال هلك الناس فهو أهلكهم (حديث شريف ولو أن الناس لايتغيرون لما أرسل الله الأنبياء وطالب أتباعهم بالدعوة ما سبق بديهيات لكنها تغيب أحياناً فيصبح الخطاب تيئيسياً
يللي بيخاف من البعبع بيطلعله) مثلٌ شعبي لكنه يحمل فلسفة عميقة مؤداها أن النجاة لا تكون بالهروب من التحديات وإنما بمواجهتها المستبدون يقودون الناس بالخوف، لذلك زرع المستبد الخوفَ في نفوسنا وبشكل منهجي طوال عقود من الزمن وعلى شكل طبقاتٍ بعضها فوق بعض؛ الخوف من السجن والتعذيب والموت إن عارضناه، الخوف من البديل إن خرج من حياتنا، الخوف من أنفسنا إن أصبحنا أحراراً، الخوف من الحرية، الخوف من تحمل المسؤولية، الخوف من الجديد، الخوف من المجهول، الخوف من المستقبل أوصلنا هذا الخوف إلى كل ما كنا نخاف منه، وحانت لحظة الحقيقة، لحظة مواجهة مخاوفنا كلها دفعة واحدة، وتجريف الخوف الكامن في أعماقنا من جذوره، بالثقة بالله الذي خلقنا في أحسن تقويم وبالتالي الثقة بأنفسنا وبأننا نستطيع ونستحق أن نعيش كما أراد الله لنا، في أحسن تقويم أي أحراراً مكرمين