cover

الحراك المدني السلمي في الثورة السورية والحلقة المفقودة 2-2

 ياسر العيتي- محمد منير الفقير

على الرغم من أن المشاركة في يوم الغضب السوري كانت أفضل من سابقاتها، وعلى الرغم من بروز أشكال جديدة من التنسيق بين مؤيدي الثورة على مستوى العالم. إلا أن المشاركة  والتنسيق ما زالا أدنى من المأمول بكثير وهذا يستدعي وقفة جدية لمعرفة الأسباب والمعالجات

لعل السبب الأهم في عزوف الناس – ولو كانوا مؤيدين للثورة - عن المشاركة في هذه النشاطات هو التشكيك بجدواها في خدمة القضية السورية. يقول هؤلاء: بعد سبع سنوات من ترك الشعب السوري وحيداً في مواجهة نظام مجرم متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كيف يمكن لعالم لم تحركه كل هذه المجازر أن تحركه مظاهرة هنا واعتصام هناك

يعود بنا هذا السؤال إلى أسئلة جوهرية يجب الإجابة عليها قبل كل حملة  تحشيد لقضية ما وهي

لا بد من التذكير بداية أن حملة التحشيد ليس مظاهرات فقط. المظاهرات هي وسيلة واحدة من عشرات الوسائل التي تستخدم في حملات التحشيد ومنها المحاضرات والاجتماعات واللقاءات مع أصحاب القرار واستخدام وسائل الإعلام وتشكيل مجموعات الضغط والمعارض والأعمال الفنية كالمسرحيات والحفلات وتوقيع العرائض وتوزيع المنشورات والحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها الكثير

إذا كان هدفنا النهائي هو الانتقال بسوريا من وضعها الحالي إلى دولة العدل والقانون التي لا مكان فيها لطاغية، فإن الوصول إلى هذا الهدف سيكون على عدة مراحل ويجب أن يكون لكل مرحلة أولوياتها التي يتم التركيز عليها في حملة التحشيد فمثلاً يمكن القول إن هدف الحملة  في المرحلة الحالية هو: منع إعادة الشرعية لنظام بشار الأسد (على سبيل المثال). بعد تحديد الهدف من الحملة تُحدّد الشريحة المستهدفة بها، مثلاً: الرأي العام في البلد الذي تقوم فيه الحملة، سياسيون من الأحزاب الحاكمة أو المعارضة، برلمانيون، فنانون أو رياضيون لهم تأثير في الناس، وسائل الإعلام، وهكذا. ثم نحدد ما المطلوب من الشريحة المستهدفة القيام به. مثلاً أن يعدل أصحاب القرار في بلد ما سياسة بلدهم تجاه القضية السورية بما يحقق هدف الحملة المرحلي وهو عدم إعادة الشرعية لبشار الأسد، أو أن تغطي وسائل الإعلام في ذلك البلد القضية السورية بشكل أكبر وبطريقة أفضل، أو أن يصوت ممثل هذه الدولة في أحد المنظمات الدولية لصالح قرار يخدم مصلحة السوريين بدل أن يخدم مصلحة النظام، وهكذا

ثم نحدد رسالة الحملة. وهي رسالة عامة خاصة بالهدف النهائي. مثلاً: إقامة دولة العدل والقانون في سوريا، ورسالة خاصة بالمرحلة، مثلاً: عدم إعادة الشرعية لبشار، أو خاصة بالبلد الذي تتم فيه الحملة، مثلاً: مصلحة هذا البلد في تحقيق التعديل المطلوب في سياسته تجاه القضية السورية. طبعاً تكون الرسالة العامة واحدة في كل الدول التي تجري فيها الحملة وكذلك الرسالة الخاصة المتعلقة بالمرحلة، أما الرسالة الخاصة المتعلقة بالبلد فتختلف من بلد إلى آخر. هذه الرسالة يجب أن تكون مكتوبة ومعروفة لجميع المشاركين ويتم إيصالها للشريحة المستهدفة بوسائل متعددة وهذا ما يجعل نشاطات الحملة متسقة فيما بينها ونتائجها متراكمة باتجاه تحقيق هدف واحد

ثم نحدد أفضل وسائل التحشيد للتأثير في الشريحة المستهدفة. هل هي اللقاءات الثنائية؟ أم المحاضرات؟ أم ورش العمل؟ أم المعارض والأعمال الفنية؟ أم الاعتصامات وتوقيع العرائض؟ أم غير ذلك؟ أم مزيج من عدة وسائل؟

طبعاً معرفة الشريحة المستهدفة وما هو المطلوب منها وكيف يتم التأثير فيها يحتاج إلى دراسة سياسة البلد الذي تتم فيه الحملة تجاه القضية السورية ومصالح تلك البلد وآليات اتخاذ القرار فيها. ولكل ذلك منهجيات معروفة لمن يعمل في التخطيط لحملات التحشيد

لا بد من التذكير هنا بضرورة التقييم بعد كل نشاط في الحملة من أجل اكتشاف النشاطات ذات الأثر الأكبر للتركيز عليها مستقبلاً وكذلك لمعرفة الثغرات ونقاط الضعف التي تبرز عند التطبيق وابتكار طرق وأساليب جديدة تحقق التطور المستمر في الأدوات والوسائل

خلاصة القول: إن الحراك السلمي شكل أساسي من أشكال النضال المطلوب للتخلص من حكم الأسد وبناء دولة العدل والقانون، وهو يتكامل مع أشكال النضال الأخرى السياسية والعسكرية والمدنية. الحراك السلمي ليس مجرد مظاهرات هنا وهناك يتم الدعوة إليها من حين إلى آخر بل يحتاج إلى حملات منظمة ومتواصلة ذات هدف عام وأهداف مرحلية. وتحتاج الحملة في كل بلد إلى أهداف خاصة بها تتعلق بدور هذا البلد في القضية السورية. عندما يتم وضع أهداف قابلة للقياس لكل حملة وتحقيق هذه الأهداف سيؤمن الناس بجدوى المشاركة في هذه الحملات وستمتلئ الساحات بالآلاف. إن العمل بهذه المنهجية في التخطيط للحملات المناصرة للثورة السورية والتكامل مع أوجه النضال الأخرى ضد عصابة الأسد هي الحلقة المفقودة التي يجب أن نسارع في إيجادها

Share