cover

خواطر 2021-3

بحكم قربي من الكثيرين من أصحاب المواهب أدرك تماماً الفرص الهائلة التي تنبثق من اجتماعهم معاً في مشروع يكمّل فيه بعضهم بعضاً. أحياناً يتضاعف أثر الواحد منهم عشرات الأضعاف. نحن نواجه أعداء يتحركون على شكل ماكينات ضخمة ولا يمكن أن نهزمهم بمسننات منفردة، ولمسنن فولاذي يجتمع مع غيره في ماكينة ضخمة تنّكل مخرجاتُها بالعدو أفضل من ألف مسنن ذهبي يلمع كلٌّ لوحده، مهما لمع ذهبُهم وبرق!


حسب تجربتي المتواضعة كثير من الأعمال الجماعية التي لم يُكتب لها الاستمرار لم يكن ذلك بسبب غياب المبادئ والقيم والأفكار الجامعة التي يتفق عليها العاملون نظرياً ولا بسبب خلل أخلاقي عندهم وهم في كثير من الحالات التي أعرفها من أصلح الناس على المستوى الفردي.
تتوقف المشاريع برأيي عندما تعجز عن تطوير نفسها في أثناء تقدمها، تماماً كما يخرج أي برنامج حاسوبي من السوق عندما لا يطور نفسه ويقتصر على النسخة الأولى منه. عندما نقارن الوندوز رقم 1 بالوندز رقم 10 سنجد الأول مقارنة بالعاشر مليئاً بالنواقص والعيوب والثغرات وحتى بقصص الفشل والسحب من الأسواق مبكراً، لكن القائمين على البرنامج لم تحبطهم العيوب التي ظهرت مع التطبيق بل استفادوا منها لتطويره.
كذلك في العمل الجماعي يظهر في أثناء التطبيق طيف واسع من التحديات، يبدأ بالاختلاف في وجهات النظر بين القائمين عليه ولا ينتهي بالتحديات الإدارية والمالية. هنا إما أن يطور هذا العمل نفسه لمواجهة هذه التحديات أو ينتهي، هكذا ببساطة!
يطور العمل نفسه وينجح في إخراج نسخة ثانية وثالثة ورابعة منه أكثر قدرة على البقاء بمقدار عندما يطور القائمون عليه أنفسهم معرفياً ومهاراتياً، وبمقدار ما يتواصلون فيما بينهم بشكل صادق ويصبرون على بعضهم البعض، وبمقدار ما يضع كل واحد منهم نفسه في موقع المبادر الذي يتحمل مسؤولية وضع الحلول لا في موقع الضحية الذي يكتفي بتوصيف المشاكل.
هنا نحتاج إلى الجَلَد الذي كثيراً ما نذكره في دعائنا المشهور: اللهم نشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة.


هناك حد أدنى من الحاجات المادية يصعب أن يشعر الانسان بالاستقرار النفسي من دون تأمينها، بعد ذلك يتفاوت الناس في طول قائمة ما يعتبرونه حاجات لا يستطيعون العيش من دونها. كلما صغرت هذه القائمة زاد غنى الإنسان وزادت حريته وزاد استقلال قراره.


كل فكرة لا تنطلق من الواقع بعد معاينته فهماً وإدراكاً ثم تعود إليه لمعالجته إصلاحاً وعلاجاً ثم تتردد بين الفكر والتطبيق مراجعةً وتطويراً حتى تنضج ويشتد عودها تظل فكرة مشلولة قاصرة كطائر يزحف بلا جناحين، معركة الوعي تُكسب في الميدان


من أهم التحديات التي نواجهها في أعمالنا الجماعية الموازنة بين أمرين:

1- دور النظم والقواعد والإجراءات التي يلتزم بها الجميع ويطورونها حسب الحاجة

2- دور القائد الملهم صاحب الرسالة والمبادرة والهمة العالية

عندما يضعف الاهتمام بالدور الأول يتحول العمل إلى خطب حماسية من دون إنجاز وتراكم، وعندما يضعف الاهتمام بالدور الثاني يتحول العمل إلى بيروقراطية روتينية خالية من الحماس وغير قادرة على التفاعل مع المتغيرات، هما جناحان لا يحلق العمل الجماعي إلا بهما.


مع تطور وسائل الاتصال، وهو تطور مرشح للتسارع في مقبل الأعوام، لم يعد بمقدور أحد أن يوقف تدفق الأفكار وتناقلها وبأبرع أدوات الإقناع، صحيحة كانت تلك الأفكار أم خاطئة، لذلك لا بديل عن تعلم التفكير الناقد والمحاكمة المنطقية للأمور.
الفكرة الصحيحة تقوى عندما تدافع عن نفسها أمام فكرة خاطئة بالدليل والبرهان، والأسلوب القرآني حض على طلب الدليل والبرهان في أهم فكرة تمس حياة البشر وهي الإيمان بالله (قل هانوا برهانكم إن كنت صادقين) فكيف بغيرها من الأفكار؟!
لا بد من إدخال التفكير الناقد في صلب التعليم وفي كل المراحل، وأسلوب التربية القائم على التحذير من الاقتراب من الماء خوف الغرق لم يعد منجاة بل مهلكة، نحن في قلب الطوفان شئنا أم أبينا!


عندما تدخل المرأة إلى مجال العمل العام سواء من خلال نشاط فكري أو اجتماعي أو سياسي وقضيتها هي قضية الإنسان في مجتمعنا قضية حقوقه وحريته وكرامته، قضية الحقوق التي منحنا الله إياها بوصفنا بشراً قبل أن نكون رجالاً ونساءً فإن مساحة فعلها وتأثيرها تكون أكبر بكثير من المساحة التي ستأخذها فيما لو دخلت مجال العمل العام وقضيتها هي قضية المرأة وحقوقها فحسب.


يفيد التصنيف عندما يستند إلى أسس صحيحة وعندما يراعي أن لكل إنسان فكره ومواقفه وشخصيته المستقلة وإن كان ينتمي بالعموم إلى توجه فكري أوسياسي معين. لكن التصنيف تحول عند بعض السوريين إلى حالة مرضية زورانية فترى الآخر منشغلاً بتصنيفك بدلاً من أن يهتم بفهمك، وتراه يقرأ أقوالك وأفعالك من عدسة التصنيف التي وضعها على عينيه، وهي غالباً عدسة مشوِّهة تلغي وتضيف وتصغِّر وتكبِّر، وتؤدي إلى سوء الفهم والتواصل وإلى خسارة فرص التشبيك والتعاون.


أتمنى لو أن هناك اختبار نفسي يقيّم (الشعور بالنقص) لدى الإنسان، وأن يكون من شروط الترشح لأي منصب عام إجراء هذا الاختبار للتأكد من عدم وجود عقدة الشعور بالنقص لدى المرشح، باختفاء هذه العقدة ستختفي نصف المشاكل والصراعات داخل مؤسساتنا وفيما بينها


البعض يريد الشمال السوري نسخة من المسلسل التركي المشهور (وادي الذئاب) منطقة مافيات تتصارع فيما بينها على مصالحها الخاصة ويسودها قانون الغاب ومنطق القوة، ونحن نريد الشمال السوري نواة لـ#سورية_الجديدة دولة العدل والقانون والمؤسسات التي تحقق مصلحة الشعب السوري.
ندرك هول التحديات والتعقيدات والتهديدات لكننا لن نخون دماء شهدائنا ولن نتهاون في الدفاع عن مصالح شعبنا الذي دفع وما زال يدفع في سبيل حريته وكرامته أفدح الأثمان ولن تكون أرواحنا أغلى من أرواح مئات ألوف الشهداء.


سنوفر كثيراً من الوقت والجهد نحن السوريين عندما تغلب (لا) الصادقة على (نعم) المجامِلة عندما يُطلب منا التزام ما


لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله … لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
الصبر على الوقت والجهد اللازمين لبناء الثقة مع الآخرين،
الصبر على التعامل مع لا توافق طباعك طباعه ولا يشبه أسلوبك أسلوبه،
الصبر على حسن التواصل لمعالجة من يسيء فهمك ويطلق الأحكام المسبقة عليك،
الصبر على مساعدة الآخرين على معالجة أخطائهم ونقاط ضعفهم،
الصبر على الجهد اللازم لمعالجة أخطائك ونقاط ضعفك،
الصبر على الاستماع إلى المخالف بنية الفهم وليس الرد،
الصبر على الجهد النفسي والفكري المطلوب للوصول إلى البدائل الثالثة في مواطن الخلاف،
الصبر على تعليم الجاهل، وتهدئة المتسرع، وتحفيز المحبط، وتشجيع المتردد، وإنهاض المتعثر،
الصبر على أوقات الحيرة والشعور بالعجز وانعدام الحيلة،
الصبر على نفسك حين تضعف أو تجبن أو تتعب أو تمل،
عندما نلعق كل هذا الصبر نبلغ المجد على شكل أعمال جماعية ناجحة لن يكون لنا دور في صناعة مستقبلنا كسوريين إن لم ننجح في صناعتها.


(الحدس) لا يأتي من فراغ!
كل مدارس التفكير الحديثة تجعل المشاعر أحد العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار، على عكس ما هو شائع بين الناس عن تحييد المشاعر عند اتخاذ القرارت.
مشاعرنا تجاه أي أمر أو أي شخص أو ما يسمى بالـ (الحدس) لا تأتي من فراغ وإنما هي نتيجة تراكم عدد كبير من المعلومات في العقل الباطن تتجلى على شكل شعور.
مثلاً عندما لا ترتاح لشخص ما بدون وجود سبب منطقي لعدم الارتياح فهذا الشعور نتيجة لورود رسائل دقيقة لحواسك من تصرفات هذا الشخص ولغة جسده تذكرك بأشخاص آخرين كانت لك معهم تجربة سلبية وهذه الرسائل تكون من الدقة بحيث لا يدركها عقلك الواعي لذلك لا تعرف سبباً منطقياً لعدم الارتياح.
هل يعني ذلك أن المشاعر تدلنا بشكل صحيح في كل الأحيان؟ ليس بالضرورة فالتشابه في الشكل لا يعني دائماً التشابه في المضمون، لكن الشعور السلبي تجاه قرار أو شخص بدون وجود مبررات منطقية يقتضي من الإنسان الحذر والتمهل ومزيداً من البحث حتى يتأكد من سلامة قراره.
في النهاية يعتمد وزن (الحدس) في اتخاذ القرار على تجربة الإنسان مع حدسه، فكلما أثبتت تجربته أن حدسه كان صادقاً في مرات سابقة يزداد عنده وزن الحدس كعامل مرجح في اتخاذ القرار.


يقولون: إذا أردت أن تمضي سريعاً امض وحيداً، وإذا أردت أن تمضي بعيداً امض مع آخرين.
أضيف لها: ولا شيء يحفز الآخرين على المضي معك أكثر من إصرارك على الاستمرار ولو كنت وحيداً!


العضلة لا تنمو من غير ألم، والأراضي الجديدة بما فيها من كنوز وفرص لم تُكتشف عبر التاريخ إلا بعد أن عانى مكتشفوها قلق السير في المجهول، والمرء لا يتطور فكرياً وروحياً إذا لم يتجاوز ما هو عليه، ولا يحدث التجاوز من دون قلق ورهبة وتوتر
لكن كيف يستقيم كل ذلك مع الشعور بالرضا الذي وصف الله به المؤمنين؟!
"رضي الله عنهم ورضوا عنه"
"يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"
الرضا حالة نفسية عميقة تعكس القبول والتسليم الكامل بكل ما قدره الله وسيقدره، إنه السفينة التي تحمي المرء من الغرق في أمواج الحياة المتلاطمة، إنه اطمئنان داخلي لا يتأثر بعصف المتغيرات كالسكون في عين الإعصار.
الرضا لا يعني الراحة والاسترخاء والرهبة من التغيير والخشية من المجهول والقناعة بما هو موجود والخوف من تحطيم الأصنام التي تتجدد أشكالها عبر التاريخ
هذا ليس رضا المؤمنين بل هي البلادة التي تصنع الشعوب الخانعة!


بينما نتقدم في طريق العمر نكتشف تدريجياً أين نضع أنفسنا في العالم، تختلف الأدوار والنشاطات كلما اكتشفنا أنفسنا والعالم أكثر، نوقف نشاطاً أو نعدله أو نبدأ نشاطاً جديداً، ونحن في كل لحظة نحمل حصيلة كل ما فعلناه في اللحظات السابقة، والعالم حولنا في كل لحظة يحمل حصيلة تأثيرنا به في كل اللحظات السابقة.
العالم كالشباك نُلقى بها منذ الولادة بعضنا يكتشف نفسه فيتحرر من الشباك ويغير العالم بما يوافق مبادئه، وبعضنا لا يكتشف نفسه فتبتلعه الشباك ويغيره العالم ويخسر نفسه إلى الأبد.
أصحاب المبادئ المبادرون يغيرون العالم بما يوافق مبادئهم ولا يشترط أن يكونوا أنبياء أو فلاسفة أو زعماء أو مخترعين. الأعمال البسيطة الصادقة تغير العالم أيضاً.


من التجربة وجدت أن الناس يتغيرون، تتغير أفكارهم وتصرفاتهم ولكن:
لا يتغيرون بالإكراه
ولا يتغيرون بسرعة
ولا يتغيرون إذا لم يدركوا أن التغيير في مصلحتهم
ولا ينجح في تغييرهم من لا يحبهم
ومن ينظر إليهم نظرة دونية
ومن لا يثقون به
ومن لا يكون قدوة لهم في التغيير المنشود
تصنيف الناس ووصف علاتهم أمر سهل يقوم به الكثيرون، ولكن جعل هؤلاء الناس مشروع تغيير يحتاج إلى جهد وصبر ومعرفة وقبل كل شيء يحتاج إلى إيمان، إيمان بالانسان مستمد من الإيمان بخالقه الذي خلقه في أحسن تقويم، وجعل فيه استعدادات متساوية للسمو والهبوط، ولا يستثمر استعدادات السمو من لا يراها بل من لا يؤمن بوجودها أصلاً.


في التعامل مع المشاكل ينقسم أعضاء الفريق إلى ثلاثة أنواع:
من يذكر المشكلة ويقترح معها حلاً أو عدة حلول، وهو أكثر الفريق فاعلية.
من يذكر المشكلة ويقول: يجب أن نجد حلاً، وهو أقل فاعلية من الأول.
من يكتفي بلوم الآخرين بوصفهم مسؤولين عن المشكلة دون أن يفكر بالحلول مطلقاً، وهو أقل الفريق فاعلية.