cover

خواطر 2022-3

كثيراً ما نردد ينقصنا الـ how to ولكن عند التطبيق نجد أن الـ how to الذي تعلمناه غالباً ما يحتاج تطبيقه إلى how to آخر يناسب ظرفنا لا يأتينا جاهزاً ويجب أن نبتكره ابتكارا


أهم من التعلم من الفشل، أن نتعلم لماذا أحياناً لا نتعلم من الفشل!


نسمع من المسؤولين الأتراك في الفترة الأخيرة تشجيعاً لرجال الأعمال السوريين على الاستثمار في الشمال السوري، هنا لا بد من التذكير ببعض البديهيات:

1- يجب وضع خطة تنموية شاملة للشمال السوري تأخذ بعين الاعتبار حاجات الشمال وموارده ثم توجه المشاريع الاستثمارية (الصناعية ، الزراعية، التعليمية، الصحية، الخدمية، ... ألخ) لتحقيق هذه الخطة، بدون خطة تنموية شاملة الحديث عن الاستثمار في الشمال مجرد شعار للاستهلاك السياسي

2- يجب أن تحقق الخطة التنموية الشاملة المصلحتين السورية والتركية، إذ يستحيل أن توافق تركيا على سياسات استثمارية في الشمال السوري تضر الاقتصاد التركي، السياسات يجب أن تفيد الاقتصاد التركي وتحقق حالة تكاملية معه، وبالحد الأدنى يجب ألا تتعارض معه

3-  يجب أن تأخذ الخطة التنموية في الشمال بعين الاعتبار أن الشمال سيكون في المستقبل جزءاً من سورية ككيان سياسي واحد، وبالتالي يجب أن تكون المشاريع في الشمال جزءاً من التصور الشامل للاقتصاد السوري بعد انجاز الحل السياسي بحيث تكون هذه المشاريع قابلة للاستمرار والتوسع عند انجاز هذا الحل وبحيث تتكامل مع المشاريع الاقتصادية على امتداد التراب السوري

4- وأخيراً لا بيئة جاذبة للاستثمار من دون تأمين المنطقة بشكل نهائي من القصف، ومن دون تشريعات تصب في مصلحة المستثمر، ومن دون وجود سلطة مركزية قادرة على إنفاذ هذه التشريعات، ومن دون قضاء نزيه يحمي حقوق المستثمرين


قد لا نملك أن نلزم الآخرين بعدم حرماننا من حقوقنا

لكن احترامنا لأنفسنا يقتضي أن نطالب بهذه الحقوق

الآخرون يحترموننا عندما نطالب بحقوقنا ولو منعتهم حساباتهم السياسية من إنصافنا

عندما نسكت عن المطالبة بحقوقنا نخسر احترامهم وإنصافهم معاً


عندما أًسأل: لماذا توقفت عن كتابة الشعر؟ أجيب مازحاً: لم يعد شيطان الشعر يزورني. السبب الحقيقي هو أنني عرفت قدر نفسي فوقفت عنده. النظم هو القدرة على كتابة أبيات لها وزن وقافية، أما الشعر فهو القدرة على ابتكار صور شعرية خلاقة لم يأت بها أحد من قبل.

ما دفعني إلى التوقف عن كتابة (الشعر) أنني في لحظة صدق مع نفسي وجدت أنني مجرد ناظم وليست لدي تلك القدرة على ابتكار صور شعرية غير مسبوقة، ربما توجد في قصائدي بعض تلك الصور لكنها أندر من أن تجعل مني شاعراً. لكني ما زلت أقرأ الشعر وأتذوقه وأعتبر أن للشعر حقيقته الخاصة التي تتفوق على أي حقيقة فلسفية أو فنية.


أسعى إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع فيه أي سوري يرغب في خدمة بلده أن يدخل إلى تطبيق على جواله فيجد مروحة واسعة من المشاريع والحملات التي تخدم السوريين فيختار منها ما يقتنع به ويناسب ظروفه ومكان وجوده ثم يأخذه هذا التطبيق إلى الشخص المسؤول عن هذا المشروع أو الحملة ليتحقق من مصداقيته وكفاءته ثم يضع المساهمة التي يريد هذا الشخص تقديمها حيث يجب أن تكون، سواء كانت المشاركة في حملة الكترونية، أو اعتصام امام سفارة، أو توقيع عريضة، أو تبرع مالي، أو تقديم خبرة، أو المشاركة في نقاش لطرح أفكار مفيدة، أو.. أو..

تبدو الفكرة حالمة لأول وهلة، لكن بالمواءمة بين الجانب الافتراضي منها (التطبيق على الموبايل) والجانب الواقعي (وجود أشخاص موثوقين وفرق عمل فعالة على الأرض)، يمكن تحريك الموارد الكامنة الموجودة عند مئات ألوف السوريين الذين يريدون أن يقدموا شيئاً لبلدهم وشعبهم لكن لا يعرفون كيف يفعلون ذلك، خصوصا اذا استخدم التطبيق وسائل التحفيز والمنافسة الموجودة في التطبيقات الحديثة scoring- gamification


الرغائبية السياسية، هي وضع رؤية بعيدة لا نملك أدوات تحقيقها والاكتفاء بترديد هذه الرؤية دون بناء الأدوات وتطويرها فنظل في المكان ذاته مع ترديد الشعارات ذاتها.

مقابل ذلك نجد الانهزامية السياسية، وهي تحديد أهداف واطئة تناسب الأدوات المحدودة التي نملكها، والاكتفاء بالدفاع عن هذه الأهداف الواطئة بحجة الواقعية، مع غياب الرؤية البعيدة وغياب أي جهد لتطوير الأدوات الموجودة وزيادتها، وهكذا يصبح السياسي جزءاً من مشروع الآخرين لا يملك مشروعه الوطني ولا يعمل على تطوير أدوات تحقيقه.

البديل الثالث الذي هو أفضل وأعلى من الخيارين السابقين هو الواقعية السياسية: وهي وضع رؤية بعيدة وإن كنا لا نملك أدوات تحقيقها، ثم تحديد الأهداف المرحلية التي توصل إلى هذه الرؤية، ثم تجزئة الأهداف المرحلية إلى أهداف صغيرة نملك أدوات تحقيقها، ثم تنمية الأدوات الموجودة باستخدامها في تحقيق الأهداف الصغيرة، وإضافة أدوات جديدة إليها باستمرار، حتى نصل إلى مرحلة امتلاك الأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف المرحلية والرؤية البعيدة.


عقول أطفالنا كأزرار الورد والورد لا يتفتح إلا إذا أشربته الماء على مهل. الماء هنا تعليم أطفالنا أساليب التفكير الصحيحة

أكثر المربين في مجتمعنا يرون عقول أطفالنا حواسيب ويرون مهمتهم أن ينقلوا الأفكار إليها كما تنقل الملفات من حاسوب إلى آخر

ثم نتساءل: لماذا في مجتمعنا يضمر الإبداع وتكثر المشاكل وتقل الحلول؟!


تحتاج الأحزاب السياسية إلى شخصيات كاريزماتية تجمع الناس، لكن ظاهرة (الأب القائد) الذي يلتصق بكرسيه إلى الممات شيء مختلف تماماً وهي ظاهرة مرضية ومن أسباب تعثرنا الحضاري نحن أبناء هذا الشرق المكبّل

رئيس مجلس نواب يظل في منصبه لثلاثين عاماً، ورئيس حزب (إسلامي) لا يتزحزح عن كرسيه لأربعين عاماً، أشفق عندما أرى قائد حزب وهو على أبواب الثمانين يتحدث أمام الكاميرات بشفة مرتخية ويد مرتعشة، لماذا؟ ألم تستطع طوال فترة قيادتك أن تؤهل قادة شباباً يتابعون المسيرة من بعدك؟

إن من مظاهر نجاح القائد قدرته على صنع القادة، والمبرر الذي يردده البعض حول ضعف الكوادر والكفاءات ليس سببه غياب الكفاءات وإنما سببه غياب ثقافة (التمكين) الذي يفسح المجال لهذه الكفاءات أن تظهر وتنمو وتأخذ طريقها إلى أماكن القيادة

التمكين يعني إعطاء الصلاحيات والتفويض والتدريب ومنح الفرص للآخرين ليبرزوا ويقودوا وهذا يحتاج إلى الإيمان بهم أولاً وأخيراً

جزء من المشكلة متعلقة بالأتباع أيضاً، إذ تشيع فيهم ثقافة الاتكاء إلى الفرد المخلص القادر على حل كل المشاكل والذي لا بديل عن عبقريته، وهكذا تغيب الرغبة في انتاج القادة الجدد من الطرفين: القائد والأتباع

القيادة أمر مرهق، ولا يضير القائد بل يرفع مكانته عندما يتقدم به العمر أن يتقاعد ليرتاح وينصرف إلى الكتابة وتقديم المشورة وتدوين خبرته وتجربته لتستفيد منها الأجيال القادمة


الكيانات سواء كانت سياسية أو مجتمعية هي مجرد وسائل وأدوات لخدمة قضية كبرى وتحقيق أهداف عليا

هذه الكيانات لا يشترط أن تبقى إلى الأبد قد تندمج مع غيرها وقد تزول نهائياً وفقاً لما يخدم القضية الكبرى

عندما يصبح الكيان هو الغاية والهدف بدلاً أن يكون الوسيلة، عندها يبرر أعضاؤه لأنفسهم الدوس على الأهداف العليا في سبيل الحفاظ على كيانهم، عندها يعتبرون نجاحات الكيانات الأخرى فشلاً لهم، عندها يصبح هذا الكيان عبئاً على القضية بدلاً أن يكون خادماً لها


هذا المنشور ليس للتباهي وإنما للتحديث بنعم الله ولشرح وجهة نظري في الإصلاح

يظن البعض عندما أتحدث عن إمكانية نهوض مجتمعنا وأحث على ذلك بنبرة إيجابية محفّزة أنني متفائل سطحي التفكير غير مدرك لعمق المشاكل البنيوية الفكرية والاجتماعية والسياسية التي نعاني منها.

لقد أنعم الله علي بنعمتين؛

النعمة الأولى، اطلاع واسع في العلوم والحياة، الاطلاع الواسع في العلوم بدأ بدراسة الطب وتخرجي من كلية الطب بجامعة دمشق عام 1992 ثم اختصاصي في الامراض الداخلية ببريطانيا، وقد مكنني الطب من فهم العقل البشري وطريقة عمله وكيف يبني هذا العقل العادات الجديدة وكيف تتشكل قناعات العقل الباطن والإرساءات العاطفية عند الإنسان وتؤثر على تفكيره وتصرفاته من غير وعي منه في كثير من الأحيان، تعلمت كل هذه الأمور على مستوى أجزاء الدماغ ووظائفه، مما مكنني من تمييز الحقيقة من الوهم عند الحديث في علوم بناء القدرات والتنمية الذاتية وتغيير النفوس. وبفضل تمكني من اللغة العربية وحبي للتعريب بدأت بتعريب الكتب من الانكليزية منذ عام 2000 حتى 2010 وهذا نقلني إلى مستوى جديد من المعرفة في مجالات القيادة والتفكير من خلال الكتب وبرامج التدريب التي عربتها لأشهر الكتاب العالميين في هذه المجالات، مثل ستيفن كوفي الذي عربت له (العادة الثامنة) وعالم التفكير المشهور إدوارد دوبونو الذي عربت له كتابين، وخلال اعتقالي بين عامي 2007 و2010 بدأ اهتمامي بالفلسفة وبدأت أقرأ للفلاسفة القدماء والمحدثين وهذا أضاف عمقاً جديداً لتفكيري وطريقتي في النظر إلى الأمور. أما الاطلاع الواسع في الحياة فمكنني منه سفري إلى أمريكا وبريطانيا وعيشي لعامين ونصف في هاتين الدولتين فاطلعت على ثقافات أخرى وعايشت أهلها ومن يرى ليس كمن يسمع من بعيد.

النعمة الثانية التي منحني الله إياها، التعاطف مع الناس والرغبة الشديدة في مساعدتهم وتمكينهم ليكونوا أقوياء قادرين على الدفاع عن حقوقهم وذلك بنقل ما أنعم الله به علي من علم ومعرفة إليهم. وعندما أقول الناس أقصد السوريين الذين قذف الله محبتهم في قلبي. لذلك دخلت مجال التدريب منذ عام 2003 ودربت وحاضرت في الألوف بفضل الله من شرائح مختلفة، شركات ربحية ومنظمات غير ربحية، طلاب ومدرسون ومشايخ وعسكريين وهذا الاحتكاك مع الناس أكسبني خبرة لا يدركها من يعيشون خلف المكاتب، خبرة بواقع الناس ومشكلاتهم والتحديات التي يواجهونها.

أقول ناصحاً لمن يتكلم بتعال وقرف عن السوريين ظاناً أن ما حباه الله به من علم ومعرفة يمنحه الحق في ذلك. انزل من برجك العاجي فالصقيع هناك سيجمد روحك وعقلك، السوريون أهلك أنت منهم وهم منك، ومعرفتك العميقة بمشاكلهم لا يعني أن تحولها إلى سوط تجلدهم به فالناس لا تحب من يهاجم قناعاتها ويتهمها بالتخلف، لا يعني ذلك أن تحابي الناس وتقرهم على أخطائهم، ولكن يجب تصحيح الخطأ برفق ولين وبعد بناء الثقة والتأكد من مشاعرك تجاههم أولاً، هل هي مشاعر الكاره الناقم؟ أم المحب الناصح؟ فالنفوس البشرية طبعت على التأثر بالثاني والنفور من الأول ولو حاز علوم الدنيا كلها!


متابعة للمنشور السابق عن تكويني المعرفي وحتى تكتمل الصورة، كان والدي رحمه الله حنفي المذهب وعندما كنت يافعاً واظبت على دروس الحنفية التي كان يلقيها الشيخ أديب الكلاس إمام الحنفية في دمشق رحمه الله، وقرأت البيقونية في مصطلح الحديث وجوهرة التوحيد في العقيدة على مشايخ في دمشق وفي العشرين من عمري بدأت بدراسة الفقه الشافعي.

كانت مكتبة الوالد رحمه الله عامرة بالكتب الدينية التراثية منها والمعاصرة، في العقيدة وأصول الفقه والتفسير وعلم الرجال والحديث والتصوف والرقائق وعلم الكلام ومن مدارس ومذاهب شتى فسلسلة (إخوان الصفا) للمعتزلة مثلاً كانت تجاور كتاب (العقيدة الطحاوية) في مكتبة الوالد، وكتب سيد قطب وحسن البنا كانت إلى جانب كتب جودت سعيد ومالك بن نبي وكتاب (فلسفتنا) لمحمد باقر الصدر كان يجاور كتاب (قصة الإيمان) لنديم جسر وكتب ناصر الدين الألباني كانت تجاور كتب سعيد رمضان البوطي وهكذا .. طبعاً تجاوزت قراءاتي بعد فترة ما هو موجود في مكتبة الوالد واكتشفت أنها على تنوعها واتساعها كانت تفتقر إلى كتب تمثل اتجاهات وتيارات شتى فكرية وفلسفية إسلامية وغير إسلامية لا بد من الإطلاع عليها والاستفادة منها. كنت أنهل من جميع المدارس وفي البداية كنت أقع في الحيرة بين الآراء المختلفة في المسألة الواحدة لكن حيرتي كانت تخف كلما اشتد ساعد عقلي وزاد اطلاعي وزادت مكنتي في التفكير الناقد، وكان منهجي ومازال ألا أقبل فكرة بدون أن أفكر وأعمل عقلي فيها مهما كان صاحبها، وأن أقرأ الآراء المختلفة حول المسألة الواحدة، وألا أقبل حكماً شرعياً دون دليل من الكتاب والسنة، ولم تكن الكتب مصدر معرفتي الوحيد فصداقاتي بفضل الله مع كثير من أهل العلم الشرعي ولجوئي إليهم عندما يصعب علي فهم مسألة قرأتها هنا أو هناك وحواراتي معهم كلها ساهمت في تكويني المعرفي.

رسالتي في هذا المنشور للشباب: لا تبيعوا عقولكم لأحد ولا تحصروا اطلاعكم بشخص أو بمدرسة خذوا ودعوا وشاوروا أهل العلم والاختصاص ولكن كونوا أحراراً فالحرية تبدأ من عقل حرٍ يفكر ويناقش ويأخذ ويدع والعبودية تبدأ من عقل تابعٍ مغلق!


يعتقد البعض أن الله خلق السوريين ليعيشوا عبيداً أبد الدهر وما عليهم إلا اختيار السيد، إما عائلة الأسد، أو قسد، أو الجولاني، أو الفصائل، أو تركيا، أو أي جهة أخرى، المهم أنهم سيظلون قطيعاً منقاداً مسلوب الإرادة والقرار

لو كنت أحمل هذه القناعة لما عارضت النظام مذ وعيت على هذه الدنيا، ولما دخلت السجن في سبيل دفاعي عن حقوق السوريين، ولما شاركت في الثورة، ولما ناديت يوماً بحرية أو كرامة

لكن لكي يعيش السوريون أحراراً يجب أن ينظموا أنفسهم ويفرزوا قياداتهم وأن يتخلصوا من الكثير من المعوقات الفكرية والثقافية والأمراض الاجتماعية والأخلاقية التي تفشت بينهم، أمام هذا الواقع هناك خياران:

الخيار الأول، ناجم عن القناعة باستحالة تجاوز هذا الواقع لعيب خلقي وراثي في السوريين لا يمكن تجاوزه، وهو خيار تبشير السوريين بأنهم خلقوا ليعيشوا عبيداً إلى الأبد وما عليهم إلا اختيار السيد الأنسب

الخيار الثاني، وهو ناجم عن القناعة بأن مشاكل السوريين الفكرية والثقافية والأخلاقية مكتسبة وليست وراثية، وأنه يمكن تجاوزها مهما كانت راسخة وضاربة في أعماق نفوسهم، وأنه بإمكان السوريين أن يملكوا قرارهم ويفرضوا إرادتهم، وهو خيار التوعية والتشجيع على خوض التجارب التي تكسب الوعي والمهارات والتأثير في الآخرين بالقدوة والصبر ولو استغرق ذلك جيلاً كاملاً أو جيلين، وهو خياري حتى ألقى وجه ربي


في حديث مطول مع أحد الإخوة شرح لي أسباب عدم تفاؤله بحال السوريين، أهل الثورة على وجه الخصوص، تحدث طويلاً عن الأمراض التي يعانون منها، وأهمها برأيه حب التزعم والظهور، الأنانية، ضعف الإخلاص، الفرح بفشل الآخرين والحزن لنجاحهم، وغيرها من أمراض فكرية ونفسية وأخلاقية تجعل نجاح أي عمل جماعي بوجود هذه الصفات أمراً مستحيلاً

تفاجأ الأخ بعد أن أنهى كلامه عندما قلت له: أتفق معك تماماً في كل ما ذكرت، سألني: هل أنت متفائل؟ أجبته: أنا عندي مشكلة في هذا السؤال! أنا لا أملك ترف الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم، أنا أشعر أننا في معركة وجودية وأن لديّ واجباً علي القيام به

شرحت له كيف أنني مقتنع بوجود كل الأمراض التي ذكرها، لكنني لا أجد سبيلاً لمعالجتها إلا في خوض تجربة العمل الجماعي ومعالجة هذه الأمراض من خلال التجربة مباشرة، هذا هو مجتمعنا ونحن لا نستطيع أن نستقدم مجتمعاً من المريخ يوافق توقعاتنا! فلسفتي هي الانغماس مع الناس ومحاولة تغيير قناعاتهم وتصرفاتهم بالعمل والقدوة والصبر، شرحت له كيف أن الإنسان السوري الذي تعرض لسحق شخصيته طوال عقود يحاول اليوم أن يعوض هذا السحق بأساليب مرضية كالتعالي على الآخرين وحب التسلط والفرح بفشل الاخرين وأن هذا الإنسان المسحوق يجب أن ينبه إلى أخطائه الفكرية والسلوكية ولكن لن يتغير ما لم يُعامل باحترام ويمنح الوقت الكافي للتعافي

نعم لدى السوريين الكثير من المشاكل ولكن في أعماق الكثيرين منهم توجد شخصية رائعة مبدعة مجدّة تخرج إلى الضوء ما إن تُكسر عنها قشور العُقَد التي أورثتها عقود الاستبداد، يقول البعض لكن هناك سوريين يحملون هذه العقد وهم لا يعيشون في دول مستبدة ، هؤلاء برأيي ورثوا عقدهم من البيئة التي نشأوا فيها، من أقربائهم وأصدقائهم

ختاماً، لولا أن مراهنتي على هذه الشخصية السورية المبدعة المجدّة كانت في محلها في كثير من الأحيان، ولولا أنني رأيت كيف تفتح الكثير من الشباب والصبايا أمام عيني كالزهور عندما أتيحت لهم الظروف المناسبة، لولا كل ذلك لأصبت بالاحباط والاكتئاب من زمن بعيد ولما استمريت في طريقي كل هذه الأعوام


وأنت وسط الأمواج لا تملك ترف الانتظار حتى تتقن السباحة، الحركة المستمرة هي الطريقة الوحيدة لتبقى على قيد الحياة


من أسوأ أنواع تدليس إبليس على بعض المعارضين الذي لمسته في تعليقات بعضهم أن يظنوا أن تنكبهم عما يطالب به الناس وسخط الناس عليهم ورفضهم لهم وقرفهم منهم هو من أذى العوام الذي يُبتلى به المصلحون وأن جبنهم وبلادتهم وتمسحتهم هي من الصبر على جهالة هؤلاء العوام


يوم الموت ومكانه وطريقته كلها أمور مقدرة من الله تعالى لا نستطيع أن نختار أياً منها

أن نعيش أحراراً كراماً نقول كلمة الحق لا نخشى في الله لومة لائم ولا نحني جباهنا إلا لله

هذا ما نستطيع اختياره


الديكتاتورية الدينية أسوأ أنواع الديكتاتوريات حيث منزلة الحاكم فوق منزلة الرؤساء وفوق منزلة البشر، ولا يحق للمحكومين أن يحاسبوه أو يسائلوه أو يستبدلوه لأنه معيّن من الله والاعتراض عليه اعتراض على الله

في كل مجتمع يتكوش حول هذا الاله الصغير أصحاب القوة العسكرية والاقتصادية ويتبادلون معه المنفعة فهو يستقوي بهم على الناس وهم يحققون مصالحهم بغطاء شرعي منه وهكذا يتم استغلال الناس والتسلط عليهم باسم الله واسم الدين


الأمان الحقيقي المستدام هو أمان الشرفاء والصادقين والمخلصين؛ أن يأمنوا على أنفسهم ألا يُعتَقلوا أو يُقتَلوا إذا عبروا عن آرائهم،

وليس أمان المتسلقين والفاسدين ومن نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب؛ أن يأمنوا على أنفسهم ألا يُحاسَبوا أو يُسَتبدلوا مهما فعلوا،

إذا لم يستقر في أعماق وجداننا هذا التعريف الصحيح للأمان، ستظل هناك بيئة خصبة لانتاج استبداد جديد والرضا به بحجة توفير (الأمان)،

وسيكون أماناً سطحياً مؤقتاً يعيش على تناقضات داخلية وخارجية لن تلبث أن تتفاقم حتى تنفجر وتطيح بكل شيء


في العمل الجماعي هناك شكل ظاهر من "العقلية البعثية" يسهل رصده وانتقاده وهو إلغاء الآخرين عن طريق التسلط عليهم والتحكم بهم

لكن هناك شكل خفي من "العقلية البعثية" قد يتسرب إلى أعمالنا الجماعية وكلنا معرضون للابتلاء به وهو إلغاء الآخرين عن طريق توهم تحقيق الإنجازات الكبيرة المستدامة بالبطولات الفردية من دون إشراك الآخرين وتمكينهم والصبر على ما يقتضيه ذلك من وقت وجهد


في حديث مع مخرج واعد قال لي: نحن نبحث عن الصراع قبل صناعة أي فيلم فمن دون صراع لا توجد دراما

فكرت فعلاً أنه من دون صراع لا توجد دراما وبالتالي لا يوجد تشويق وإنما هو الضجر الذي يقتل الروح

وأن هذه الفكرة لا تنطبق على الأفلام وحسب وإنما على الحياة الداخلية لكل واحد منا فنحن نعيش صراعات يومية ..

بين عقولنا وقلوبنا

بين شهواتنا وقيمنا

بين طموحاتنا وإمكانياتنا

بين آمالنا وخيباتنا

بين مشاعرنا المتناقضة تجاه شخص أو قضية

هذه الصراعات تملأ حياتنا حركةً وتستفز ما أودعه الله فينا من طاقات نفسية وعقلية حتى نتمكن من إدارتها والتجديف بين أمواجها لنندفع إلى الأمام ومن دونها لمتنا سكوناً وضجراً!


عقود الاستبداد علمتنا ألا نسمع إلا رأياً واحداً،

بعد أحد عشر عاماً تعب بعضنا من كثرة الأخذ والرد فاستنكف واعتزل،

في الحقيقة لا تكون في المجتمعات حياة سياسية وفكرية من غير أخذ ورد،

يحاول البعض أن يسخر من الحالة السورية ويصورها بأنها شاذة فيقول: نحن نختلف على كل شيء،

من قال لك أن الآخرين ليسوا كذلك؟! أصدقاؤنا الذين انتشروا في أنحاء الأرض ويتابعون الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في أكثر الدول تقدماً يحكون لنا كيف أن الآخرين أيضاً يختلفون حتى في أبسط الأمور وأسخفها

علينا أن نتعود على الأخذ والرد فهذه هي الحالة الطبيعية التي تنمو بها المجتمعات وتتطور سياسياً وفكرياً، وعلينا أن نخفف الكلفة النفسية الناجمة عن الأخذ والرد بتعلم التفكير الناقد الذي يحدد الأسس المنطقية لدعم أي فكرة أو نقدها، وتعلم الذكاء العاطفي الذي يعلم الإنسان كيف يمنع مشاعره من أن تؤثر على محاكماته المنطقية وكيف لا يحول الاختلاف حول فكرة إلى خلاف شخصي وطعن في الأشخاص بدلاً من مناقشة الأفكار

ليست أول مرة أطرح فيها هذه الأفكار ولن تكون الأخيرة فتحملوني إنما أعيد طرحها لشعوري بالحاجة الشديدة لها

نحن على الطريق الصحيح بإذن الله والأمر يحتاج إلى تواص بالحق وتواص بالصبر


بمناسبة عيد الأضحى دروس من قصة إبراهيم لواقعنا السوري

في زمن إبراهيم عليه السلام كان تقديم القرابين البشرية لإرضاء الآلهة أمراً طبيعياً متعارفاً عليه في المجتمعات البشرية، أراد الله أن يوقف هذه الطقوس الدموية من خلال قصة الفداء بالكبش التي يحتفل بها المسلمون في عيد الأضحى كل عام، وهنا تحضرني المعاني التالية وإسقاطاتها على الواقع السوري:

  1. لم يجرّ ابراهيمُ ابنه اسماعيلَ إلى الذبح رغماً عنه، بل قال له (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)، الامتثال يجب أن ينبع عن قناعة ورضا وقبول، لا أن يُساق الناس إليه مُكرهين، وكل من يتسلط اليوم على السوريين بالسلاح ليفرض عليهم فهمه الخاص للإسلام يتنكب المنهج النبوي الإبراهيمي، ويخون ثورة الحرية التي أعلنها السوريون ضد نظام مستبد يسرق إرادتهم ولا يقيم وزناً لآرائهم ولا يوجد في قاموسه (مَاذَا تَرَى) التي قالها إبراهيم لإسماعيل، بل لسان حاله يقول (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) التي قالها فرعون لقومه الذين استخفهم فأطاعوه!
  2. إذا سألنا أنفسنا ما الذي دفع إسماعيل ليقول لأبيه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) نجد الجواب في سيرة إبراهيم نفسها، فقد كان قدوة لابنه في الامتثال لأوامر الله عندما حطم الأصنام غير مبال بالنار التي أعدها عباد الأصنام لحرقه، فجزاه الله على يقينه وشجاعته (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).

علينا ألا ننتظر من الآخرين الجرأة والإخلاص إذا لم نكن نحن قدوة لهم في ذلك. من لا يكون قدوة لجنوده في الجرأة على اتخاذ قرار مستقل وفي الإخلاص بتقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الفصائلية والمناطقية والشخصية عليه ألا يتوقع من هؤلاء الجنود جرأة وإخلاصاً في محاربة فساد أو رد بغي فضلاً عن إسقاط النظام.

تستوقفني دائماً عبارة (أول المسلمين) ماذا تعني (أول)؟ تعني أنك لوحدك لا أحد معك! هذا هو اليقين الذي يجب أن يحمله صاحب أي فكرة إذا أراد لها أن تنتصر، أن يتمسك بها ولو ظل لوحده، وهذا ما نحتاجه اليوم لننتصر ولو تخلى عن ثورتنا المتخلّون وتنكب طريقها المتخاذلون.


"وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا" صدق الله العظيم

مزيد من المعرفة يعني مزيدا من الصبر

اي كلما اتسع عقل الانسان اتسع قلبه


عندما نقول يجب أن نخاطب الدول من خلال مصالحها، يجب أن ندرك أمرين:

1- أن هذه الدول تعرف مصالحها جيداً، وهي تبني معرفتها على مصادر متنوعة من المعلومات أهمها المعلومات الاستخباراتية وبالتالي هي لا تنقصها المعلومات ولا ينقصها التحليل الصحيح للمعلومات

2- لا يمكننا أن نخدع هذه الدول بالخطاب فنوهمها أن مصلحتها في دعمنا إن لم تكن كذلك فعلاً

ليس من مصلحة الدول دعم معارضة قرارها بيد دولة أخرى، أو دعم معارضة مشرذمة سياسياً وعسكرياً، أو دعم معارضة تحمل فهمها الخاص للإسلام وتريد فرض هذا الفهم على بقية السوريين والعالم بالنار والحديد

من دون ترتيب بيتنا الداخلي كمعارضة سياسياً وعسكرياً بحيث يكون للدول فعلاً مصلحة في دعمنا لن يجدي أي خطاب أمام مجلس الأمن أو غيره سواء كان خطاباً عاطفياً شعبوياً أو سياسياً دبلوماسياً يتكلم بلغة المصالح!