cover

خواطر 2023-1

العمل العام وأسطورة (الحرق)

يعتقد البعض أن شعبنا (يحرق) من يعمل في الشأن العام وخصوصاً عندما يصل إلى مرحلة متقدمة فيُحبَط هؤلاء البعض ويحجمون ويُحبِطون!

شعبنا ليس كتلة همجية متخلفة، نعم هو يعاني من التجهيل وضعف الوعي لكنه يتعلم ويتعلم بسرعة وقادر بفطرته على التمييز بين من يعمل للصالح العام ومن يعمل لصالح شخصي أو فئوي أو لصالح دولة أخرى

هل يعني ذلك أنه لن تكون هناك محاولات إفشال وإحراق لمن يسلك طريق الحق؟ لا أبداً فسنة الحياة التدافع بين الحق والباطل (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) وهذا التدافع هو الذي يُخرج الزبد ويبقي ما ينفع الناس (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)

وبالتالي، همُّ من يعمل في الشأن العام لا يجب أن يكون: (أخشى أن يحرقونني)، همُّه يجب أن يكون: كيف أصدق مع الناس وكيف أصنع مشروعاً يحقق مصلحتهم وكيف أسلك الأسلوب الصحيح في التعبير عن مشروعي والتحشيد له بالحجة والمنطق وكيف أثبت على الطريق برغم كل المعيقات، عندها تتحول محاولات إحراقه إلى حجة له لا حجة عليه

لولا اشتعال النار فيما جاورت .. ما كان يُعرَف طيب عُرف العودِ


الرضا هو مقياس النجاح، والرضا ليس له علاقة ببناء شركات ضخمة أو تحقيق إنجازات

عظيمة كما يوحي بعض المتكلمين بالـ(التنمية البشرية)

عامل النظافة الراضي عن نفسه وعمله أكثر نجاحاً من مليونير ساخط مكتئب

في النهاية ستعمر الحياة برجال ونساء يتوزعون الأدوار فيما بينهم بحسب ما أودع الله فيهم من ميول وقدرات

(كل ميسر لما خلق له) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم


كلام في المأسسة

يقلل البعض من أهمية المأسسة في واقعنا السوري وقد يعتبرونها أمراً سلبياً بحجة أن المأسسة تؤدي إلى الروتين في العمل وتكبيل القائد وأننا نعيش مرحلة تحتاج إلى المرونة والإبداع والتفكير خارج الصندوق وإلى رجال (كارزماتيين) مبادرين لا تقيدهم المؤسسة

برأيي المأسسة لا تمنع الإبداع والمبادرة والتفكير خارج الصندوق بل يمكن أن تشجع على كل ذلك وتنظمه وتستثمره وتحوله إلى تقليد راسخ داخل المؤسسة

المأسسة لا تمنع وصول القادة الكارزماتيين إلى مكان القيادة، لكنها تمنع التصاقهم بهذا المكان إلى الأبد! وتصنع البيئة التي تكتشف أصحاب المواهب القيادية وتدربهم وتمكّنهم حتى تصبح المؤسسة مكاناً لبناء القادة لا مفرخة لتوليد الأتباع

المأسسة تحتاج إلى ثقة بالناس وإيمان بهم وبالكمون الهائل الذي أودعه الله فيهم وإلى الاعتقاد بأن مهمة القائد توفير البيئة التي تخرج هذا الكمون

وأخيراً المأسسة تحتاج إلى استعداد للتخلي عن الصف الأول وإفساح الفرصة للغير عندما تقتضي المصلحة العامة ذلك


مخزون الانسان من التفاؤل ينفد مع الوقت نتيجة المعيقات وطول الطري،  التشاؤم كآلية دفاعية يبطل مفعوله مع الوقت أيضاً، صحيح أنه يبرر القعود بحجة عدم جدوى العمل لكنه يبني في الوقت نفسه شعوراً متزايداً بالعجز وانخفاض تقدير الذات، فيقع المتشائم في الحالة السلبية التي أراد أن يفر منها

وحدها ما اسميها (الإيجابية الواقعية) هي التي تستمر وتنمو مع الوقت، لأنها مستمدة من فهم الواقع وسنن التغيير، وتعتمد التعلم من خلال التجربة، وبناء المفاهيم وتعديلها من خلال الاشتباك مع الواقع، وضبط التوقعات وتكييفها من خلال الخبرة، وهكذا لا يرفع صاحب (الإيجابية الواقعية) توقعاته فيقع في الإحباط ولا يخفضها فيعطل الطاقات الدفينة فيه وفيمن حوله


عندما كنت أمارس الطب عملت مع طبيب في السعودية يحمل شهادات عالية، لكنه كان يتعامل مع مرضاه بتعال وجفاء وينهرهم بقسوة، وكان يظن أن ذلك لمصلحة المرضى. كرهه المرضى واشتكوا عليه أكثر من مرة وأنهت المستشفى عقده بعد أن أتم عامه الأول

الطبيب الذي لا يتعامل مع مرضاه بإنسانية ورحمة لن يكون إنساناً فضلاً عن أن يكون طبيباً ناجحاً، كذلك من يظن نفسه (مثقفاً) ويتحدث عن (المجتمع) أو (الشارع) بتعال وقرف لن يستطيع معالجة أمراض هذا المجتمع ولو أوتي جوامع الكلم ولن يتجاوز تأثيره أزرار الكيبورد التي ينقر عليها بنزق وهو جالس في أريكته المريحة


لماذا ترسف مجتمعاتنا في الحضيض وهي تحمل قيم الإسلام التي ينادي بها الواعظون على المنابر صباح مساء؟

لأننا قلبنا هذه القيم رأساً على عقب؛

فأصبح الخنوع للمستبد طاعة لله،

والرضى بالذل صبراً على الأذى،

والتملق للظالمين تعقلاً وحكمة،

والصدق تهوراً وسذاجة،

والتمسك بالمبادئ جموداً وعناداً،

عندما تنقلب القيم لا يمكن أن تمضي بالمجتمعات قدماُ مهما زعق بها الواعظون على المنابر،

كالإنسان المقلوب، رأسه في الأرض وقدماه في الهواء، مهما وعظته وشجعته على المسير يحرك قدميه ويبقى مكانه!


المنصب وعقدة النقص

الإنسان السوي يشعر أن قيمته تأتي من داخله من المبادئ الأخلاقية التي يحملها، لذلك يكون المنصب عنده وسيلة لا غاية يقبل به بمقدار ما يخدم مبادئه ويتركه بسهولة عندما تقتضي المبادئ ذلك

أما الإنسان المصاب بعقدة النقص فيشعر أن قيمته تأتي من خارجه من المنصب واللقب والمظهر، لذلك يكون المنصب عنده غاية لا وسيلة يتشبث به ويبيع كل المبادئ في سبيل الحفاظ عليه!


الواقع السياسي معقد، هذه طبيعته، وهي ليست حجة للسياسي لكي يتعالى على الناس ويتهمهم بالقصور والتخلف

شرح هذا الواقع بشكل مبسط من دون إخلال أو تسطيح بحيث تفهمه أكبر شريحة من الناس وتعرف دورها في التأثير فيه بما يحقق مصلحتها هو المهمة الأساسية للسياسي الذي يؤمن بالناس ويسعى إلى تحريرهم وتمكينهم ويعتقد أن شرعيته تأتي منهم لا من سفارات الدول أو فوهات البنادق


البذرة الصغيرة الصماء فيها كل إمكانيات الوردة الزاهية الفواحة بشرط توفر البيئة المناسبة لتنمو وتزهر، مهمة القائد إيجاد البيئة التي تتفتح فيها طاقات الآخرين


إشراك أعضاء العمل الجماعي في القرار يجب أن يكون هدف أي مجموعة تريد لأعضائها أن يكون فاعلين، لأن التزام الناس بالعمل يتناسب طرداً مع شعورهم بالشراكة في القرار،

كيفية الوصول إلى هذا الهدف يحتاج إلى ابتكار صيغ عملية وتجريبها وتطويرها باستمرار بما يناسب واقع السوريين المليء بالتحديات،

وضوح الهدف والإيمان بأهميته يدفع صاحب الهدف إلى ابتكار وتطوير أساليب الوصول إليه وليس العكس، وبالتالي المقولة التي نرددها كثيراً في أن مشكلتنا نحن السوريين غالباً في جهلنا لـ(كيف نحقق الهدف أو how to) وليس في جهلنا لـ( الهدف) ليست صحيحة دائماً وليست صحيحة في هذه المسألة بالتحديد،

غياب تمكين الآخرين وتفعيلهم وإشراكهم في القرار كهدف قائم بحد ذاته والشعور بأهمية هذا الهدف وأولويته هو  برأيي سبب تعثر الكثير من أعمالنا الجماعية وخصوصاً في الحالة السورية حيث اعتادت الشخصية السورية على البطولة الفردية وليس على الاهتمام بالآخرين وتمكينهم وتفعيلهم


تتوقف المشاريع عندما تعجز عن تطوير نفسها في أثناء تقدمها، تماماً كما يخرج أي برنامج حاسوبي من السوق عندما لا يطور نفسه ويقتصر على النسخة الأولى منه

عندما نقارن الوندوز رقم 1 بالوندوز رقم 10 سنجد الأول مقارنة بالعاشر مليئاً بالنواقص والعيوب والثغرات وحتى بقصص الفشل والسحب من الأسواق مبكراً، لكن القائمين على البرنامج لم تحبطهم العيوب التي ظهرت مع التطبيق بل استفادوا منها لتطويره. كذلك في العمل الجماعي يظهر في أثناء التطبيق طيف واسع من التحديات، هنا إما أن يطور هذا العمل نفسه لمواجهة هذه التحديات أو ينتهي، هكذا ببساطة!

يطور العمل نفسه وينجح في إخراج نسخة ثانية وثالثة ورابعة منه أكثر قدرة على البقاء بمقدار عندما يطور القائمون عليه أنفسهم معرفياً ومهاراتياً، وبمقدار ما يتواصلون فيما بينهم بشكل صادق ويصبرون على بعضهم البعض، وبمقدار ما يضع كل واحد منهم نفسه في موقع المبادر الذي يتحمل مسؤولية اقتراح الحلول ولا يكتفي بتوصيف المشاكل


يتعب ويكل ويمل وييأس من يعتقد أنه تفضل على السوريين يوم قدم لثورتهم شيئاً من جهده أو وقته أو ماله أو أمنه أو حريته أو أي عطاء مادي أو معنوي

أنا أشعر وكثيرون مثلي أننا لم نتفضل على أحد بل الله تفضل علينا أن جعلنا في ركاب هذه الثورة وخدمة أهلها،

ما نفعله ليس إرضاء لأحد بل إرضاء لأنفسنا، حتى نستطيع أن ننام مرتاحي الضمير عندما نضع رؤوسنا على الوسادة، حتى نستطيع أن ننظر إلى وجوهنا في المرآة، حتى نكسب احترامنا لأنفسنا أولاً وأخيراً


لا يكفي تغيير الأفكار لتغيير الواقع لا بد من صناعة البُنى التي تُطبَّق الأفكار من خلالها، البنية هنا هي دولة أو منظمة أو مشروع

البنى يصنعها بشر، والبشر ليسو حواسيب تمشي على قدمين تتناقل المعلومات والأفكار، البشر لهم مشاعرهم وانفعالاتهم وتحيزاتهم الواعية وغير الواعية التي تدخل في تشكيلها عوامل ثقافية واجتماعية ومناطقية ومصالحية وغيرها من عوامل يعتبر فهمها وإجادة التعامل معها شرط لنقل البنية من حيز التنظير إلى حيز الوجود والفعل والتأثير

صدق الإنسان مع نفسه ومع الآخرين وتجرده وموضوعيته وفهمه للإشكاليات الاجتماعية والمناطقية التي تحركنا أحياناً وتؤثر على تصوراتنا ومواقفنا شرط أساسي لتشكيل بنى فعالة تحترم كرامة الإنسان وتوفر له بيئة تطلق أفضل ما لديه من طاقات


ما الفكرة الجديدة التي سأضيفها أو الفكرة الخاطئة التي سأصححها أو الفكرة المعروفة التي سأذكر بها وأعززها؟

ما السلوك الذي سيتغير نتيجة لهذه الإضافة أو التصحيح أو التذكير؟

وكيف سيؤدي تغيير هذا السلوك إلى تغيير حياة الناس نحو الأفضل؟

أسئلة لو تعودنا طرحها على أنفسنا كلما هممنا بالكتابة في هذا العالم الأزرق لتجنبنا كثيراً من اللغو!


بصراحة

ما لم نتخلص من النفاق والمداهنة وتمسيح الجوخ للقوي فقط لأنه قوي

وما لم نرفض اتخاذ الدين مطية للتسلط على العباد

وما لم ندرك أن تنظيم أنفسنا سياسياً وإيجاد من يمثلنا بشكل حقيقي لا يقل أهمية عن إيواء الناس وإطعامهم وتطبيبهم وتعليمهم

وأيضاً..

ما لم يصبح حرصنا على الإنجاز الجماعي أكبر من حرصنا على الظهور الفردي

وما لم يصبح صبرنا على ما يتطلبه العمل الجماعي من إنصات وتفهم أكبر من صبرنا على ما يتطلبه العمل الفردي من بطولة وتضحية

وما لم نستثمر التنوع في طباعنا ليكمل بعضنا البعض بدلاً أن نجعله سبباً لننفر من بعضنا البعض

وما لم نحول اختلافات وجهات نظرنا إلى فرصة للوصول إلى أفضل التصورات بدلاً من جعلها مبرراً للصراع والتخندق ضد بعضنا البعض

ما لم يحدث كل هذا التغير في أفكارنا وتصرفاتنا إلى درجة كافية ليصبح تغيراً ثقافياً على مستوى المجتمع

فإن كل هذه (الخيرية العظيمة في مجتمعنا) التي نتباهى بها ونقول أن كارثة الزلزال أظهرتها ستذهب أدراج الرياح وسيظل المتسلقون والتافهون وأصحاب المشاريع الخاصة والمطامع الشخصية هم من يحكموننا ويسرقون قرارنا وسيظل بشار في قصره ضاحكاً


عندما يرد الخائن بشار على الغارات الاسرائيلية ينتهي حكمه

السبب الرئيسي لبقائه حتى اليوم برغم جرائمه الفظيعة بحق الشعب السوري هو أنه لا يرد!


ما الفرق بين عائلة سورية مزقها برميل لبشار وعائلة سورية ماتت تحت هدم الزلزال؟!

ليت المشاهير الذين يبكون ضحايا الزلزال يبكون بالطريقة نفسها ضحايا بشار فالإنسانية لا تتجزأ

هناك عوامل كثيرة أبقت نظام بشار قائماً إلى اليوم أحدها جيش من الرماديين الذين يرون أن الموقف من إجرام هذا النظام سياسة لا يريدون التدخل فيها وليس موقفاً أخلاقياً وطنياً إنسانياً

الأحداث الجسام تضع الإنسان في مواجهة نفسه فإما أن تفتح بصيرته على أمور لم يرد رؤيتها أو تزيده عمى وضلالاً!


يطرح أحدهم فكرة فيجيبه البعض (ما بدنا تنظير)

لا عمل صحيح من دون تنظير صحيح. التنظير الخاطئ صححه والتنظير الناقص أكمله أما أن تكتفي بالقول (ما بدنا تنظير) فهذا هو التنظير الفارغ بعينه!


في الأعمال الجماعية عندما يكون الآخرون دون توقعاتنا هناك ثلاثة أسباب:

  1. الآخرون لا يعرفون ما نتوقعه منهم
  2. الآخرون يعرفون ما نتوقعه منهم لكن لم نمكنهم بما يكفي للقيام به، التمكين يعني توفير الموارد العاطفية (وضوح الأهداف والتحفيز والاهتمام والتقدير) والمعرفية (التعليم والتدريب) والمادية والبشرية
  3. لم نختر الأشخاص المناسبين

إذا أردنا أن نكون قادة مؤثرين حقاً يجب أن نعتبر أنفسنا مسؤولين عن هذه الأسباب الثلاثة وعن علاجها وأن نجعل مخالفة الآخرين لتوقعاتنا فرصة للتعلم وتحسين أدائنا لا مناسبة للعب دور الضحية وعزف الألحان الحزينة عن الإحباط وخيبة الأمل