cover

المجالس الثورية: ضمير الثورة وضمان استمرارها

تشكلت المجالس الثورية في المدن والمناطق السورية  من اجتماع تنسيقيات وهيئات الثورة في مدينة أو منطقة معينة تحت مظلة واحدة، تفاوتت هذه المجالس في مدى تمثيلها للحراك الثوري من منطقة إلى أخرى، كما تفاوتت في فعاليتها وطبيعة نشاطاتها من تنظيم للحراك السلمي – عندما كانت السلمية مظهر الثورة الأبرز قبل تحولها إلى مقاومة شعبية مسلحة – إلى الإغاثة إلى الإعلام إلى الإحصاء والتوثيق إلى الدفاع المدني إلى غير ذلك من نشاطات، وعندما تطورت الثورة إلى مقاومة مسلحة انضم كثير من الناشطين في المجالس الثورية إلى الكتائب المقاتلة، في حين انضم آخرون في المناطق المحررة إلى المجالس المحلية التي تشكلت في تلك المناطق، وهكذا أصبحت مهمة المجالس الثورية ملتبسة، فالسبب الذي أنشئت من أجله وهو تنظيم الحراك السلمي والتعبير السياسي عنه لم يعد هو مهمتها الأساسية، مما استدعى أن تقوم هذه المجالس بمراجعة لدورها من أجل تحديد مهمتها في الواقع الجديد الذي خلقته الثورة وهو واقع متغير ومتجدد بطبيعة الحال

لكي نحدد مهمة المجالس الثورية لا بد من العودة إلى سبب قيام الثورة السورية والتذكير بأهدافها.  عندما يتراكم الضغط السياسي والاجتماعي في مجتمع ما بسبب الاستبداد وتعطيل الحريات وتنعدم كل طرق التعبير والتغيير التي من شأنها تخفيف هذا الضغط يحدث الانفجار على شكل ثورة شعبية عارمة، حدث هذا في تاريخ البشرية مرات ومرات والثورة السورية ليست استثناء. إذن هدف الثورة هو بناء مجتمع حرّ تسوده العدالة وتُحترم فيه كرامة الإنسان، وما إسقاط النظام إلا الخطوة الأولى نحو تحقيق هذه الغاية. إن هدف الثورة هو إحداث التغيير الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى بناء مجتمع الحرية والعدالة والكرامة وإزالة كل العوائق التي تقف في وجه هذا التغيير، ومن هنا تحتاج الثورة لكي تستمر حتى تحقيق أهدافها إلى هيئات ثورية تبلور هذا الهدف على شكل خطاب فكري وسياسي واضح، وتنور الرأي العام باستمرار بحيث لا تتحكم في مصير الشعب قوى مستبدة جديدة تؤثر مصالحها على الصالح العام، وتحشد هذا الرأي  من خلال وسائل الاحتجاج السلمي ليشكل قوة ضاغطة على أصحاب القرار بحيث تحقق قراراتهم الصالح العام

لكي تقوم المجالس الثورية بمهمتها هذه، لا بد أن تكون منفصلة كيانياً عن المجالس المحلية والكتائب المسلحة والأحزاب السياسية، فمجال عمل المجالس الثورية ليس الإغاثة أو تقديم الخدمات ولئن اضطرت إلى القيام بهذه الأعمال لظروف استثنائية فيجب أن تسعى إلى تفويض الهيئات الأخرى بها حتى تتفرغ  لمهتمها الأساسية وهي مهمة سياسية فكرية بالدرجة الأولى تتجلى في المساهمة في توعية وحشد الرأي العام والقوى المجتمعية لكي  تلعب دور الرقيب على المؤسسات الخدمية والعسكرية والسياسية التي يفترض أنها وجدت لخدمة المجتمع وتحقيق مصالحه، المجالس الثورية يجب أن تكون الهيئات المعبرة عن تطلعات الشعب بعيداً عن التجاذبات السياسية والمصالح الإقليمية والدولية

لكي تقوم المجالس الثورية بمهمتها يجب أن تفتح أبواب الانتساب إليها لكل من يؤمن بأهداف الثورة ولو لم يشارك في الثورة قبل سقوط النظام، فالثورة لا تكتمل ما لم تتحول إلى حركة اجتماعية هائلة يشارك فيها السواد الأعظم من الشعب. إن المجالس الثورية هي ضمير الثورة الحي الذي سيؤدي إلى تحول الثورة من حالة انفعالية طارئة إلى ثقافة مجتمعية تأبى السكوت على الظلم وترفض الانقياد لأي مستبد. صحيح أن الشكل الواضح الصريح للاستبداد سيزول بزوال النظام، لكن الاستبداد الذي خرج من الباب سيحاول العودة من الشباك كما يقولون، سيحاول العودة بطرق خفية أكثر مكراً ودهاء،  فهناك الكثير من القوى الداخلية والخارجية لا تنسجم مصالحها مع وجود شعب حر واع لمصالحه. قد تكون هذه القوى على شكل أصحاب رؤوس أموال ورجال أعمال يؤثرون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة، وقد تكون على شكل دول إقليمية لا تريد للتجربة الديمقراطية في سورية أن تنجح كي لا تنتقل عدوى الحرية إلى شعوبها، وقد تكون على شكل دول كبرى تتوهم  أن مصالحها في المنطقة لا تتحقق إلا على حساب مصالح الشعب السوري، وقد تكون على شكل كتائب عسكرية تريد أن تحكم الناس بقوة السلاح تحت ذرائع مختلفة، وقد تكون على شكل أحزاب تتغنى بالديمقراطية لكنها تسعى إلى الهيمنة وإلغاء الآخرين بطرق شتى، إن مهمة المجالس الثورية هي المساهمة في توعية الناس وحشدهم في وجه هذه القوى، وفي بناء الإنسان الحر الواعي المسؤول الذي هو اللبنة الأساسية في بناء وطن مستقل ينعم بالاستقرار والازدهار

  25/3/2013

Share