خواطر 2023-2
لا يجرؤ على مواجهة الآخرين من لا يجرؤ على مواجهة نفسه
الأسئلة الخاطئة أفدح ضرراً بكثير من الأجوبة الخاطئة
الحب هو الميل والكره هو النفور وعدم الحب لا يعني كرها بالضرورة فهناك حالة ثالثة هي اللاحب واللاكره
كلما حقق الإنسان التوازن بين عقله وقلبه كبرت عنده القائمة التي تندرج تحت الحالة الثالثة وأصبح أكثر حرية وأهدأ بالا
تعليقاً على توجيه التهم لترامب وحركة الشارع الاسرائيلي ضد تدخل السلطة التنفيذية في القضاء ...
عندما كان الفرس والروم يسجدون لأباطرتهم، كان عمر بن خطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما يمثلان أمام القاضي شريح وهما على رأس الخلافة
لم يحدد الإسلام كيف يجب أن تكون منظومة الحكم بشكل تفصيلي وترك ذلك لاجتهادات البشر بما يناسب سياق كل زمان ومكان، لكن الإسلام حدد (القيم) التي يجب أن ترتكز عليها منظومة الحكم وأولها (العدالة) ومن تجليات العدالة خضوع الجميع لسلطة القضاء بمن فيهم الخليفة نفسه
القيم الاسلامية هي قمة يجب أن يسعى لها كل مسلم، والحكم، كأي تجربة بشرية تتصف بالنقص، يقترب ويبتعد عن هذه القمة بمقدار ما يتمثل القيم الاسلامية، والحكام المسلمون عبر التاريخ كانو يتحركون صعوداً وهبوطاً على السفح المؤدي إلى هذه القمة بمقدار ما كان سلوكهم ينسجم مع هذه القيم، والتجاوزات التي حدثت في تاريخنا من ظلم وتسلط تدين مرتكبيها ولا تدين الاسلام
نعود إلى الحاضر، المجتمعات الغربية بما فيها المجتمع الاسرائيلي تعج بالمتناقضات ومنظومات الحكم فيها ليست سماء زرقاء من العدالة والديمقراطية تزقرق فيها العصافير، هي مليئة بالدسائس والصراعات بين مراكز القوى، صراعات تضمر في معظمها أبعاداً اقتصادية، لكن هناك لعبة واضحة يخضع الجميع لقواعدها ويخوضون الصراعات من خلالها، وهناك قانون ينطبق على الجميع، وهذا مصدر قوة هذه المجتمعات وحيويتها وقدرتها على احتواء تناقضاتها وإدارة خلافاتها، ولن تكون لنا الغلبة الحضارية على هذه المجتمعات ما دمنا نؤله حكامنا ونرضى بأن يكونوا فوق القضاء والقانون والمحاسبة
وأخيراً، (العدالة) هي أحد القيم الأساسية للثورة السورية، وكل من يرفع علم الثورة ويدافع عن منظومة يكون فيها أبو فلان وأبو علان فوق القانون هو حصان طروادة في هذه الثورة ومن دعاة الثورة المضادة التي تجرب المجرب وتقيم بنيانها على قواعد مهلهلة لن يلبث أن تنطبق عليه السنة الربانية (فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم)
من أقوال المتصوفة ما معناه: خوف يبلغك الأمان، خير من أمان يبلغك الخوف
أي أن الإنسان الذي يردعه خوف الله عن المعاصي يوصله خوفه إلى الجنة، أما الإنسان الذي يأمن عقوبة الله ويستسهل معصيته فإن شعوره بالأمان قد يوصله إلى عقاب الآخرة
قياساً على ذلك: الأمان الظاهر الذي يصنعه الاستبداد قد يحل بعض المشاكل سريعاً، لكنه يضع المجتمع كله على سكة الهاوية، وخصوصاً عندما يكون طلب الأمان هو مبرر القبول بهذا الاستبداد بحجة أنه يحقق الاستقرار ويوفر البيئة المناسبة للإصلاح ولصنع نظام يسوده القانون، إذ كيف يمكن لنظام قائم على ألوهية الفرد أن ينتج ضده؟! وكيف لمجتمع أتيحت له فرصة إنتاج نظام يسوده القانون فلم يصبر على كلفة ذلك بحجة عدم تحمل الفوضى أن يصبر على كلفة انتزاع هذا النظام من براثن المستبد عندما يتمكن منه وهي كلفة أعلى بكثير؟!
بالمقابل، توعية المجتمع وتنظيمه وتمكينه لينتج نظاماً يسوده القانون مهما كان طريق ذلك طويلاً مليئاً بالعثرات، وتحمل حالة الفوضى واللايقين التي يكتنفها هذا الطريق، هو ما يؤدي في النهاية مع استمرار الجهود والاستفادة من الأخطاء وتراكم التجارب والخبرات إلى بلوغ نظام يحكمه القانون لا سطوة البندقية
ومع استحضار سنة الله في سقوط الأنظمة المستبدة وانتهائها بالفوضى ولو بعد حين، يصبح إسقاط المقولة الصوفية على السياسة هنا: فوضى توصل إلى دولة القانون خير من دولة استبداد توصل إلى الفوضى
لا تضمن الديمقراطية وصول أفضل الناس إلى الحكم لكنها تضمن عدم بقائهم فيه إلى الأبد
بالمقابل تضمن الديكتاتورية وصول أسوأ الناس إلى الحكم وتضمن بقاءهم فيه حتى خراب البلد
الحياة بوصفها لوحة
يمسك الفنان ريشته وأمامه صفحة بيضاء وفي ذهنه موضوع ما وكم هائل من المشاعر، يبدأ خلط الألوان والضرب بريشته والتعديل في الألوان والأشكال حتى يشعر أنه عبر عما في داخله تماماً، عندها تنتهي لوحته ويبدأ تأثيرها الفني والجمالي في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
سأستعير هذا التشبيه للحديث عن رسالتنا في الحياة بوصفها (الموضوع) الذي يحمله كل منا في داخله وعن سعينا اليومي لتطبيق هذه الرسالة بوصفه رسم (اللوحة) التي تكتمل مع آخر نفس يخرج من صدورنا
لا يعرف الفنان عندما يبدأ رسم لوحته كيف سيبدو شكلها النهائي ولا يستطيع التنبؤ بتفاصيلها، كل ما يعرفه هو (الموضوع) الذي يضطرم في داخله والرغبة في التعبير عنه، وهكذا رسالتنا في الحياة لا نستطيع أن نعرف مسبقاً تفاصيل تطبيقها على أرض الواقع ولا نحتاج لمعرفة ذلك، كل ما نحتاج إليه هو معرفة الرسالة/الموضوع ثم الإمساك بالريشة والبدء بالرسم مسترشدين بعقولنا وقلوبنا في كل ضربة ريشة نملؤ بها الفراغ الأبيض
بينما يتقدم الفنان في الرسم، كل ضربة ريشة يقوم بها تؤثر على اللوحة بأسرها، ضربة في غير محلها قد تفسد اللوحة كلها، ضربة أخرى قد تكسبها روعة لا توصف، يستمر ذلك حتى انتهاء اللوحة. كذلك أحدنا وهو يحقق رسالته في الحياة كل خيار يقوم به يترك أثراً وهذ الأثر يؤثر بدوره على آثار خياراته السابقة فيعززها أو يضعفها، يستمر ذلك حتى آخر لحظة في حياته، بل قد تكون الطريقة التي يموت بها الإنسان ضربة الريشة الأخيرة التي تعطي اللوحة بأسرها معنى مختلفاً، لذلك تؤثر فينا أفعال الشهداء وأقوالهم أكثر من غيرهم
ولادة السوري في بلد أجنبي (متقدم) أو إقامته طويلاً في تلك البلد ودراسته وعمله فيها لا يجعله أكثر فهماً من السوريين الذين ولدوا في سورية ولم يغادروها ولا يعطيه الأحقية ليصبح سيداً عليهم حال عملوا معه في مؤسسة واحدة
الأمراض الاجتماعية التي يعاني منها بعض السوريين كالفوقية أو (الأنزعة) أو عدم احترام الآخرين ومراعاة كراماتهم لا تذوب بمجرد ولادتهم أو عيشهم في بلد آخر، بل على العكس ربما تتفاقم هذه الأمراض عندهم متخذة مبرراً جديداً هذه المرة (نحن عشنا في مجتمع متقدم واكتسبنا عاداته الجيدة أما أنتم فآتون من مجتمع متخلف)
أقول وعن تجربة: ما يحدد كفاءة الإنسان واستعداده للتعلم والتطور ليس المكان الذي ولد ونشأ فيه وإنما نفسيته الطيبة المتواضعة وعقليته المرنة المنفتحة
عرفتني الثورة على شباب آتين من قرى نائية لم أسمع بها من قبل، عاشوا ظروفاً غاية في الصعوبة ولا يحملون شهادات عالية لكن لديهم من الذكاء الفطري وتوقد الذهن وعلو الهمة ما يجعلهم قادرين على رفد أي عمل جماعي بأفكار مبدعة وطاقات هائلة
بالمقابل تعرفت في هذه الثورة على سوريين آتين من بلاد مستقرة مرفهة ويحملون شهادات عالية لكن لديهم من عقد الاستعلاء على الآخرين والشعور بالفوقية ما يجعلهم قادرين على حقن أي عمل جماعي يندرجون فيه بالغضب والتوتر والمشاعر السلبية بسبب فوقيتهم و(أنزعتهم)
لا يعني ما سبق التعميم على كل سوري نشأ في سورية ولم يغادرها، أو على كل سوري سنحت له الفرصة ليعيش ويدرس ويعمل في دولة متقدمة، إنما يعني أن نستثمر التنوع في الخبرات والتجارب والمهارات بين هاتين الفئتين من السوريين ليكمل أحدهما الآخر، وهذا يحتاج من السوري الذي عاش خارج سورية إلى كثير من التواضع والتخلي عن عقلية السيد الفهمان الذي يجب على السوريين الآخرين أن يتبعوه دون نقاش
قليل من الغيرة ينفع العلاقة الزوجية والكثير منها يضر، كالملح للطعام
والرجل هو المسؤول الأول عن بناء نوعين من الثقة، ثقة زوجته به وثقتها بنفسها لأن الغيرة المرضية تنجم عن ضعف أحد هذين الثقتين أو كليهما
كإنسان حر واجبي أن أعمل ما بوسعي حتى لا أوضع أمام هذا الخيار
ولكن افتراضاً إن خُيرت بين وضع يمكن أن تُسرق فيه سيارتي ووضع سيُسرَق فيه قراري وحقي في التعبير سأختار الوضع الأول بلا تردد!
شتان بين صاحب عصا يقود بها الخراف، وصاحب قضية يجمع حولها الأسود
(فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) يبدو هذا القول في وجه فرعون تهوراً وجنوناً،
لكن هذه العبارة هي الثقافة التي يخشاها الفراعنة المتألهون في كل زمان ومكان،
وفقط عندما نبلغ هذه الدرجة من الصدق والاستعداد للتضحية يأتينا الخلاص من حيث لا نحتسب (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ)
قامت الثورة حتى نطوي صفحة الخوف إلى الأبد
حتى لا يجعل إنسان مثلنا نفسه إلهاً يعيش فوق النقد والمحاسبة
حتى لا يعتقل أحد بسبب كلمة قالها أو منشور كتبه، وحتى لا يرضى المجتمع بكم الأفواه من جديد تحت أي مبرر
بالنسبة لي هذه ليست وجهة نظر قابلة للنقاش ولا تكتيك سياسي قابل للتغيير، هذا مبدأ الثورة وجوهرها الذي قامت من أجله، وعلى أساس الإيمان به والعمل بمقتضاه أصادق الآخرين وأخاصمهم
إن لم تكن ثورة فكر وأخلاق فنحن والنظام سواء!
فرق كبير بين اجتماع الناس على قلب رجل واحد واجتماعهم على بسطار مستبد واحد
العبرة ليست فيمن سبق، وإنما فيمن ثبت وصدق
لينظر أحدنا في نفسه
في الأفكار التي كوّنها خلال اثني عشر عاماً مضت
في التجارب التي خاضها والخبرات التي اكتسبها
في الآفاق التي امتدت أمام عينيه
في الطموحات التي ولدت لديه
في الأشخاص الذين تعرف عليهم والعلاقات التي نسجها
ولينظر كيف حصل التغيير ذاته عند مئات ألوف السوريين
عندها سيدرك أن الثورة مخاض عظيم يسرّع عملية التغيير، وأنها تخرج من المجتمع أفضل وأسوأ ما فيه في وقت واحد ليتصارع الأسوأ والأفضل حتى تتحقق سنة الله في الأرض (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
كلما تراجع العقل والأخلاق عند إنسان تقدمت عنده العنصرية،
العنصرية شعور فئة ما بالتفوق الموروث على الآخرين بمجرد الولادة،
العنصرية ليست بالضرورة عند شعب ضد شعب آخر، قد تكون ضمن الشعب نفسه، مثلاُ، عنصرية ابن المدينة على ابن الريف وعنصرية طبقة اجتماعية على طبقة أخرى، وعنصرية أبناء منطقة على منطقة أخرى،
وغيرها من أشكال التكبر والعنجهية الفارغة التي هي من بقايا الجاهلية الأولى التي قال عنها نبينا الكريم (دعوها فإنها منتنة)
من نجا لم يمت وإنما كتب الله له الحياة
الحياة التي منحنا الله إياها لنملأها بالعمل الحسن والكلمة الطيبة
(هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)
(ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)
الحياة التي تستمر وتتجدد وتنداح رغم الموت والفراق كما الربيع يعود كل عام وكما الشمس تشرق كل يوم
هذه الكلمات ليست لتعزية مكلوم له الحق أن يبثّ ألمه كما يشاء وهو معذور في كل ما يقوله
وإنما لمن يردد (مات من نجا) وكأنها بيت شعر يُتغنى به غافلاً عن حقيقة أن الكلمة تبرمج عقل صاحبها فإما تميته وإما تحييه!
لو أننا نتجاوز أخطاء الآخرين ونمنحهم فرصة جديدة بقدر ما يتجاوز أحدنا أخطاء نفسه ويمنحها فرصة جديدة لاستخرجنا منهم الخير الكثير
لا أقصد الأخطاء الناجمة عن انعدام خلق وضمير وإنما التي يسببها ضعف النفس ونوازعها واضطرابها مما لا يخلو منه إنسان
الاعتقاد نفسه قد يكون بارداً لا حياة فيه أو حياً متقداً يتجلى في الأقوال والأفعال
السلوك نفسه قد يكون روتيناً مملاً جامداً أو فعلاً ينبض بالإبداع والتجدد
ما ينقل الانسان من الحالة الأولى إلى الثانية إدراكه أن اعتقاداته وسلوكياته هي خيارات حرة اتخذها بوصفه إنساناً حراً عاقلاً خلقه الله وأعطاه حرية الاختيار وجعله مسؤولاً عن خياراته
نشأنا في بيئة تسحق الوجود الفردي للإنسان بوصفه إنساناً حراً مختاراً فالاعتقادات يجب أن نحملها والسلطة يجب أن نخضع لها والسلوكيات يجب أن نقوم بها و(يجب) علينا أن نقوم بكل ذلك مرغمين من دون تفكير ولا قناعة ولا اختيار وإلا فالنبذ من المجتمع ينتظرنا وأحياناً النبذ من الحياة وهذا ما أدى إلى مجتمع ينتشر فيه النفاق وينخفض فيه تقدير الناس لذواتهم مما يسهل سوقهم بالعصا
هذه ليست دعوة إلى التفلت من الدين والقيم والأخلاق بدعوى حرية الاختيار، بل دعوة لأن يكون التمسك بالدين والأخلاق والقيم عن قناعة واختيار تمارسها الذات الإنسانية كحق وحرية ومسؤولية فردية، فالإنسان يحاسب أمام الله لوحده عن حرية الاختيار التي منحها إياه في الدنيا (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) وعن كيفية استخدامه لهذه الحرية في اتخاذ الخيارات العقلية والسلوكية الصحيحة عن قناعة وبصيرة لا عن تقليد وخوف من الجمهور